في القدس العتيقة.. لا مكان للخبز!!
من بين خفايا الأسماء يقبع في حارة الشرف في القدس العتيقة تحت قبة إسمنتية ذاك الفرن بلا اسم ولا لافتة تدلل عليه..تسير وراء رائحة الخبز التي تغزو الحارة للاستدلال على فرن عربي يتبع لعائلة 'أبو اسنينة' في الحارة التي حاول الاحتلال تغيير معالمها بل وحتى تغيير اسمها إلى 'حارة اليهود'.
منذ 98 عاماً، وفي سنة 1916م خلال العهد المملوكي بني هذا الفرن ليصبح بعدها وقفا إسلاميا يستأجر من قبل آل أبو اسنينة، وتتوارثه أجيالها بحرفية.
بدأت الحكاية عندما تتابع سماسرة الاحتلال على هذا الفرن لإقناع القائمين عليه ببيعه، إلا أن إصرار أبو اسنينة على البقاء والصمود دفع بهم إلى إتباع طرق ضغط أعنف تمثلت بداية بالمضايقات الكلامية انطلاقا من كتابة عبارات على باب الفرن (كالموت للعرب، والانتقام قريب)؛ وحتى تم إرغامهم على إغلاق الفرن أيام السبت على الرغم من توافد آلاف السياح من الداخل الفلسطيني في هذا اليوم، وبهذا تم ترخيص الخبز الصادر من الفرن؛ وهذا الترخيص يعني تحليل شراء اليهود لخبز هذا الفرن ويتمثل ذلك بتعيين موظف يهودي يقوم برمي قطعة من العجين الملفوفة بالقصدير داخل الفرن يومياً، حتى يتمكن اليهود الشراء منه دون أي تحريم حسب شريعتهم.
بعد 13 عاماً من عمل المستخدم اليهودي بالفرن، ازداد الضغط من قبل وزارتي الأديان والصحة الإسرائيليتين لإغلاق الفرن، حتى اضطر 'أبو اسنينة' الاستغناء عن المستخدم اليهودي والاعتماد على الزائرين العرب، وإن كانوا بأعداد قليلة (لا تسمن ولا تغني من جوع).
لم يتوقف الضغط من قبل الاحتلال يوما؛ ووصل بهم الحد إلى إصدار أمر إغلاق للفرن أيام أعيادهم، حتى لا يشتم اليهود رائحة 'الخميرة' التي يُصنع منها الخبز ويفسد صيامهم، لأنهم لا يأكلون الخبز في عيدهم فيجبروه على الالتزام بتعاليم ديانتهم !!
لم تتوقف المشكلة لحد انقطاع البيع وتحذير الأجانب من الشراء من الفرن العربي، بل أمروهم بعدم استخدام الحطب أو الخشب لإعداد الخبز، وبدأوا باستخدام السولار ومنعوهم من إدخاله إلى الحارة إلا عبر وسيلة واحدة وهي نقله بجالونات على عدة نقلات لإيصاله إلى الفرن.
وصلت معاناة آل أبو اسنينة ذروتها بعد تراكم ما لا يقل عن 100 ألف شيقل كضرائب للاحتلال على الفرن.
ولا زالت حارات القدس وأزقتها ومحلاتها صامدة... وتستمر الحكاية.