حلويات وسكاكر خلف أبواب السجن
بدوية السامري
عند باب الساحة داخل البلدة القديمة في نابلس، وعلى بعد أمتار من برج الساعة، مكان طالما سقى المرّ للمئات لينقلب ويطعم الحلو بعد سنوات لمئات الآلاف.
من باب هذا المكان كان يدخل ويخرج السجناء في ظل حكم العثمانيين والإنجليز للأراضي الفلسطينية، ومن هنا ومنذ 65 عاماً تخرج السكاكر لتوزع على المحال التجارية في جميع أنحاء الضفة، وتصل أغلب المنازل الفلسطينية.
هو الآن ذات باب مصنع القوقا للحلويات والسكاكر، فما زال ذات الباب الحديدي قائماً في مكانه، وهو ذات باب السجن خلال احتلال الأتراك والانجليز للمنطقة، ذات الأرضية والجدران لم تتغير إلا ما يدخل وما يخرج.
أروقة المصنع قديمة العهد تروي قدم الجدران معاناة الكثيرين هنا في تلك الأيام، هنا قضى عدد كبير من السجناء محكومياتهم، أما الآن حلت هنا الآن رائحة السكر والعسل الذي يستخدم في صناعة هذه السكاكر.
البلدة القديمة التي تعود إلى العصور الرومانية، تحتفظ بتقاليد وصناعات قديمة لم تتغير رغم دخول الحداثة على خطوط الإنتاج .
مصنع القوقا في نابلس أنشئ قبل 65 عاماً بعد نكبة فلسطين 1948، بعد أن اشترى والد خالد القوقا المكان من أحد التجار آنذاك، وافتتحه مصنعاً لصناعة السكاكر، ويعمل فيه مع أبنائه.
ويعمل الآن أبو الوليد القوقا وثلاثة من أبنائه في المصنع يصنعون فيه 'ملبس على قضامة' و'ملبس على لوز' والملبس الملون' و'التوفي'، على الطريقة التقليدية.
يقول أبو الوليد: أمشي على خطوات والدي العزيز، علمني الصنعة وعلمتها لأبنائي وبدورهم يعلمونها لأحفادي.
أبو الوليد يصر على عدم تغيير معالم المكان، ويقول: المكان جميل بتراثه، وقدمه، هو ترعرع هنا بين السكر والعسل والصبغات، كبر على رائحة السكاكر في المكان، فمنذ كان عمره 10 سنوات وهو يعمل فيه.
ذات الطريقة منذ 65 عاماً في خلط السكر والجلوكوز مع اللوز والقضامة مع بعضها البعض داخل صهاريج تقلب فوق نار مشتعلة، ومن ثم توضع الخلطة على طاولة ذات أسطح ملساء بحيث تصب فوقها الصبغة حسب اللون المطلوب.
ويشير أبو وليد إلى أن العمل بالمصنع على الطريقة التقليدية، مع إدخال بعض الآلات الحديثة للمساعدة في زيادة الانتاج.
يقترب نائل أحد أبناء خالد لوالده ليطلعه على آخر ما أنتجه المصنع، ويقول: 'ممتاز، الطعم على ما هو'، على هذا النهج قضيت 65 عاماً من عمري وأنا أتذوق طعم منتجاتنا كل يوم.
ويضحك: 'لساني تحلى من كثر ما تذوقت في حياتي'.
ويشير أبو الوليد إلى أن الاقبال على هذه السكاكر تضاءل مع دخول المستورد والبضائع الأخرى إلى الضفة، لكن ومع ذلك له سوقه وناسه ومواسمه في الأعياد والمناسبات والأعراس، بينما يقل في باقي أيام العام، ودعا إلى التمسك بمنتوجاتنا الوطنية وتشجيعها للمحافظة على تراثنا وموروثنا.
وليد الابن الأكبر لخالد القوقا يظهر منشغلا داخل المصنع، ويعقب: 'الله يقدرنا للحفاظ على هذا المنتج طوال حياتنا'، ويضيف: 'ينافسنا المنتج المستورد الذي يعتبر أقل ثمناً لأن المواد الخام التي نستخدمها نحن أغلى، لكن الجودة والطعم لدينا لا يقاوم'.
وتحوي نابلس العديد من مصانع السكاكر وعددها يقارب العشرين مصنعاً.
ويعود تاريخ صناعة السكاكر والشوكولاتة النابلسية إلى بدايات القرن السابع عشر، ولم يكن عدد أصناف الحلويات والسكاكر آنذاك يتجاوز عدد أصابع اليدين، لكن اليوم هناك أكثر من ألف نوع، تختلف باختلاف المناسبات والفصول والأسعار، ويشترك النابلسيون بما يسمى 'سر الصنعة' حيث يحتفظ أصحاب مصانع ومحلات الحلوى جميعهم كل بسره.