فيديو- أنامل مبصرة- دعاء زاهدة
تتشابه الصور والألوان في عيون 52 طالب وطالبه من فاقدي البصر، في صفوف جمعية الكفيف الخيرية، فاللون الأسود هو كل ما يعرفه من حرموا من نعمة البصر.
ملاك النتشة، طالبه في الصف السابع الأساسي، ولدت بعد 7 أشهر حمل، ووُضعت حينها في حاضنة للخدّج، وبسبب 'إهمال طبي' تعرضت شبكية عينيها للأكسجين، مما حرمها نعمة البصر.
تقول ملاك: 'الحمد لله استطعت أن أتأقلم مع الوضع ' بهذه الكلمات التي ترددها دائماً بدأت حديثها معنا، وأضافت: لولا والدتي كانت معي منذ اللحظات الأولى لما استطعت أن اقرأ أو أكتب، في السنه الثانيه من عمري بدأت احفظ القرآن الكريم عن طريق الاستماع الى الآيات القرآنيه بشكل متكرر، لأحفظ جزء كامل من القرآن الكريم وأنا لم أتجاوز الثلاث سنوات.
تكمل ملاك حديثها وهي تتحسس الأحرف النافرة من كتابها: 'لم تكن البداية سهله أبداً. قبل ان ألتحق بمدرسة الكفيف وأتعلم الكتابه والقراءة بطريقة (بريل) للمكفوفين؛ قضت أمي ساعات طويلة بالقراءة لي من أجل أن تبقيني على صله بالعالم الخارجي. كانت تقرأ لي الجرائد والمجلات وقصص الأطفال، ثم ألحقتني بدورات تدريبيه لتتعلم لغة المكفوفين لتساعدني على حل واجباتي المدرسية.
تمسك ملاك بيد ابنة خالتها محاولتة تجاوز الشارع المزدحم بالسيارات، وتطلق العنان لمخيلتها البصريه لتطابق صوراً وأشكال من رسم خيالها لم يسبق لها أن رأتها، محاولة خلق عالم ربما لا يشبه عالمنا، لكنه كافٍ لنسج حكايات تكتبها لاحقاً.
التحقت ملاك في صفوف روضة الكفيف وهي بعمر ثلاث سنوات، وتنقلت بين أروقة جمعية الكفيف الخيريه المختلفة، واستفادت من كل الخدمات الصحية والتعليميه والترفيهية التي توفرها الجمعية لنزلائها من الطلبة المكفوفين، والذين يجري العمل على دمجهم بالمجتمع، وإشراكهم في الأنشطه المختلفة، على يد هيئة تدريسية تتشابه ظروف بعض أعضائها بظروف الطلبة.
تأسست جمعية الكفيف الخيريه عام 1992، ومنذ بداياتها حرصت على إعطاء فرصة لخريجات الجامعات الكفيفات للعمل في صفوف الروضة أو المدرسة الأساسيه التابعه لها.
تعمل في المدرسه حالياً 17 مدرسة، ثلثهن كفيفات، يتشاركن مع زميلاتهن المبصرات مهمة تدريس الطلبة حسب المناهج المعتمدة من وزارة التربية والتعليم بعد تحويلها لطريقة 'بريل'.
وتبين صفاء التكروري القائمه بأعمال مديرة مدرسة جمعيه الكفيف الخيريه أن العمل في الجمعيه على موائمة البيئة المحيطه بالطلبة، لتتناسب مع الطالب الكفيف، وتشير إلى فروق فردية يجري العمل على تجاوزها من أجل تطوير قدرات جميع الطلاب.
ويوضح راتب البكري ريئس جمعية الكفيف الخيريه أنه وفي نهاية الفصل الدراسي الثاني من كل عام؛ ترفع أسماء الطلبه اللذين انهوا الصف السابع بنجاح إلى مديرية التربيه والتعليم، من أجل توفير الكتب المناسبة والمطابع لهم.
ويضيف: 'نعمل على التعريف بالجمعية من خلال وسائل الإعلام من أجل البحث عن طلبة مكفوفين، ليتم بعدها دراسة الحالات وفحصها طبياً وعرضها على أخصائية اجتماعية للتقيم وتوفير المتطلبات الأساسية لهم. الجمعية توفر النقل اليومي لجميع الطلاب الملتحقين بالمدرسة من وإلى الجمعيه يومياً، إضافة إلى سكن داخلي مجاني نوفره لمن يقطنون أماكن بعيدة'.
تكتب ملاك أشعاراً تحكي واقع فلسطيني وتنشد الحرية، تشارك بها من لهم باع طويل منصات الإلقاء، وتغني ألحاناً تصل رسالتها لكل من وقفت أمامه في أمسيات فنية، كما تشارك شعراء لهم.
ملاك تحلم كغيرها من الأطفال بأن تعيش حياة طبيعية، لتتعايش مع نقص فرضه قدر عليها، وتقول: 'السنة القادمة سأنتقل الى مدرسة حكومية. سأكون مختلفة عن زملائي. الكتب ستكون مختلفة، وسأستبدل القلم بآلة طباعة تصدر أصواتاً أظنها تزعج من لا يستطيع الاستمتاع بلحن النقر عليها. سأثبت أنني قادرة على تحقيق حلمي. سأصبح مدرسة لغة عربية، وسأقرأ كتب طه حسين وغيره من الأدباء، لأستطيع أن أرفد قاموسي بالمفردات فأتمكن يوماً ما من تأليف كتاب يتزين غلافه بعبارة تأليف (ملاك النتشة)'.