الفلسطينيون يرثون خيامهم
جميل ضبابات - بالنسبة لمحمد أيوب فإن قصة الطرد من مسكنه ليست وليدة قرارات جديدة، ففي العام طردت العائلة من قرية زرعين القريبة من العفولة، وحطت رحالها في جنين أقرب المدن إلى القرية المهجرة. لكن عاما في جنين لم تكن كافية لاستقرار العائلة الممتدة التي قدمت في عشرينيات القرن الماضي من منطقة العريش المصرية إلى فلسطين لتعيش حياة ترحال لم تنته حتى اليوم.
رحلت العائلة مرة أخرى عشية النكسة إلى أخفض نقطة على سطح الأرض، لتستقر في أكثر من بقعة جغرافية، وتنتقل إلى مناطق أخرى مثل غيرها من العائلات الفلسطينية التي تعيش حياة تشرد قسري.
وأيوب الذي يقف على رأس عائلة من الأولاد والأحفاد تعد الآن نحو خمسين نفرا، يتأهب بعد أن استقر لسنتين قرب إحدى قرى شمال الأغوار، لرحلة جديدة. إذ أن رزمة من قرارات جيش الاحتلال الإسرائيلي التي صدرت مؤخرا كفيلة بأن تقتلعه من مسكنه الجديد، وترمي بالأنفار الخمسين أمام المجهول.
ويتعرض مئات الفلسطينيين إلى عملية ترحيل قسري من شرق الضفة الغربية. وتقول إسرائيل إنها تسعى إلى تجميعهم عند مداخل أريحا.
واقفا أمام سلسلة من مساكن الخيش الرثة، يروى أيوب كيف أن القرارات الإسرائيلية 'تؤخذ من السماء' في إشارة منه إلى الطائرات التي ترصد حركة الفلسطينيين في كل مكان.
ويتعين على الفلسطينيين الذين يسكنون على أرضهم في كثير من مناطق الضفة الغربية عدم البناء حتى لو كان المسكن من الخيش، وأخذ أذون 'مستحيلة' من جيش الاحتلال الذي يحكم المنطقة.
وتسعى القوات المحتلة إلى إفراغ منطقة شرق الضفة الغربية التي تشكل شريطا غائرا من الأرض من سكانها. ويقول مسؤولون فلسطينيون إن إسرائيل تسعى لفرض سيطرتها على مناطق شرق الضفة الغربية لمنع إقامة دولة فلسطينية.
ولا توجد أية معالم لأي سيادة فلسطينية في هذه المناطق التي تخصص قوات الاحتلال مساحات واسعة منها لأغراض عسكرية وأخرى لأغراض استيطانية.
وأعلنت سلطات الاحتلال عن خطة لإعادة توطين تجمعات بدوية رعوية تعيش في مناطق مختلفة من الضفة الغربية في ثلاث ضواحٍ حضرية هي نويعمة والجبل وفصايل، والغالبية العظمى من التجمعات المستهدف نقلها هي من اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الأونروا.
وتستخدم المنظمات الدولية وأخرى محلية مصطلح 'البدو'، لكن الحقيقة على الأرض أن المرحَّلين ليسوا كلهم من أصول بدوية قادمة من الصحراء.
وتسعى إسرائيل لطرد القاطنين في منطقة (E1) و'معاليه أدوميم' بالقرب من القدس والمقرر استخدامها لتطوير جديد للمستوطنات الإسرائيلية واحتمال توسع استيطاني.
وعمليات الطرد كما يقول سكان المناطق المتتدة من شرق القدس حتى شمال الغور، تشمل مساحات واسعة من الأراضي.
وقال أيوب 'نرحل منذ أكثر من ستين سنة. نريد أن نستقر'. ولا تعرف العشرات من العائلات الفلسطينية التي تعتاش من رعي المواشي معنى الاستقرار. ويقول الفلسطينيون رسميون وشعبيون، إن عمليات الترحيل الجديدة تهدف إلى فرض حقائق على الأرض تخدم سياسات الاستيطان.
وأضاف أيوب 'الحقيقة الوحيدة أننا لن نستقر في مكان'. ورغم أن مسكن أيوب يبعد نحو كيلومترا عن المساكن التي من المفترض أن يهجّر منها أصحابها شرق القدس وفق القرار الإسرائيلي الجديد، إلا أن المخاوف من الترحيل تجتاح كل عمق الغور. ويعرض أبناء الرجل على الأقل إخطارا سلّمها جيش الاحتلال الإسرائيلي لهم خلال الفترة الفائتة.
وتختفي ابتسامة الرجل كلما تناول واحدا من هذه الإخطارات وقرأ بنودها. إذ يطلب الجيش من السكان وقف البناء ضمن فترة محددة، لكن أيوب يتساءل' أي بناء؟ إنها خيمة من الخيش لا يتجاوز ثمنها شيقلا'.
وقال عارف دراغمة وهو يدير مجلس محلي لتسيير أمور العائلات الرعوية في الغور الشمالي تشرف عليه وزارة الحكم المحلي، إنه يملك 'أرشيفا كبيرا من قرارات الطرد والهدم في المنطقة'.
وأضاف 'يهدمون خياما من خيش. لكنها تبقى مساكن تقي الناس من الحر.(..) خيش لكنه محزن'.
وتقول المنظمات الدولية إن إسرائيل تخرق القانون الدولي من خلال إجراءات الترحيل. وهاجمت الأنروا القرار الإسرائيلي الجديد، واعتبرته ترحيلا قسريا. لكن على أرض الواقع الترحيل مستمر حتى قبل الإعلان الرسمي عنه.
وطالبت الأونروا مجتمع المانحين بالوقوف ضد مخطط ترحيل آلاف البدو من المناطق الوسطى في الضفة الغربية إلى 'ضاحية' في النويعمة بالقرب من أريحا.
وقال المفوض العام للأونروا بيير كراهينبول 'في حال تم تطبيق هذا المخطط، فهذا لن يزيد فقط من احتمالية اعتبار الأمر كـَ 'ترحيل قسري' مما فيه من خرق لاتفاقية جنيف الرابعة، بل قد يؤدي الأمر كذلك إلى مزيد من التوسع الاستيطاني الإسرائيلي غير الشرعي، مما يهدد حلّ الدولتين بشكل أكبر'. وأضاف: 'أدعو السلطات الإسرائيلية إلى عدم الاستمرار بقرار ترحيل هذه التجمعات، كما أدعو مجتمع المانحين لأخذ موقف حازم ضده'.
وقال رئيس هيئة الجدار والاستيطان الوزير زياد أبو عين، إن ما يمارسه الاحتلال هجمة استيطانية مسعورة في منطقة الأغوار المستهدفة، وهي حرب إسرائيلية تشن على الأغوار الفلسطينية بهدف تهويدها.
وأكد أبو عين لـ'وفا' أن الجانب الإسرائيلي يريد اختطاف القاعدة الجغرافية والطبيعية للمنطقة، وتقطيع أوصال الضفة شمالها عن جنوبها، وإغلاق محيط القدس من خلال التوسع الاستيطاني المستمر.
وليس أمام الفلسطينيين علي أرض الواقع أي بقعة جغرافية محتملة تكون بعيدة عن أعين الإسرائيليين، فمسيرة الترحيل مستمرة من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال.
واختفت الكثير من التجمعات الرعوية من الخارطة في المنطقة، إذ تشير الوقائع على الأرض إلى أن عمليات ترحيل صامته جرت خلال العقد الأخير.
وقال أبو عين: 'إسرائيل استهدفت 14 ألف دونم تم تجفيفها في منطقة البحر الميت، جميعها تتبع لقرى فلسطينية، واستولت على 4 آلاف دونم شمال الخليل وجنوبي بيت لحم'.
وبسرعة في المنطقة يتغير شكل الجغرافيا، فأطلال اليوم كانت قرية الأمس، وقرية اليوم ستكون أطلال الغد.
وقال أيوب 'لا يمكن التنبؤ بما سيحصل اليوم (..) الأوراق تحدد أين سيكون عشاء اليوم وفطور الغد'. وهو بذلك يشير إلى سلسلة من الإخطارات الإسرائيلية التي سلّمت لهم خلال السنوات الماضية.