يافا .. محلات ومنازل مقفلة ما زالت تنتظر عودة حاملي مفاتيحها
عماد أبو سمبل- من وسط صخب الحياة وهدير الأمواج رفع المؤذن أذان الظهر من مسجد يافا القديم على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، من مسجد ما زال شاهدا على فلسطينية الشارع والزقاق والبحر وشاطئه.
أبواب لمحلات تجارية ومنازل مغلقة هجر أهلها قسرا عام 1948، ما زالت تحمل ذات المعالم منذ ذلك الحين إلى اليوم لتقول للقاصي والداني (هذه منازل فلسطينية)، ما زالت تنتظر عودة أصحابها من المنفى إليها.
الطريق إلى مدينتي يافا وتل أبيب تمر عبر عشرات القرى المهجرة التي ما زالت تحتضن عشرات المنازل، كما تركها أهلها، وأخرى ردمت لإخفاء معالم جريمة النكبة، وفي مقابلها بلدة أضيفت إليها المباني الحديثة لإخفاء فلسطينيتها كبلدة العباسية المحاذية لمطار بن غوريون( مطار اللد – فلسطينيا).
تقول الحاجة آمنة "79 عاما" من مواليد بلدة العباسية "كيف ننسى ثمار البطيخ والبطاطا التي تركناها على حالها يوم النكبة المشؤوم، وما زلت إلى اليوم احتفظ بأمانة أمي وهي (أوراق الطابو) للأرض التي نملكها هناك".
بلدة العباسية ما زالت مبانيها القديمة شاهدة، على فلسطينية المكان والزمان، مبنى القهوة الذي حول إلى مطعم والمسجد الذي بات مهجورا، وسكة القطار القديمة.
وأضافت الحاجة آمنة "اذكر إلى اليوم كيف تمت مصادرة ارض والدي وثلاث عائلات أخرى لبناء مطار اللد قبل عام 1948، واذكر بساتين الحمضبات والأراضي المزروعة، والتي ما زلنا نملكها واغتصبها غيرنا".
يافا القديمة أيضا بمنازلها التي ما زالت مسكونة من أهلها وشوارعها ومحلاتها القديمة ما زالت تشهد على مأساة ما حدث للفلسطينيين عام 1948.
وحتى البائع الإسرائيلي تعلم كيف ينادي باللغتين العربية والعبرية على ما لديه من منتجات لأن هذا هو حال السوق ورواده من الفلسطينيين والإسرائيليين، وكذلك هو حال سوق البضائع المستعملة من الأجهزة الكهربائية والأواني والمستلزمات المنزلية.
مسجد البحر هو المسجد الثاني الواقع على شاطئ بحر يافا وكتب على مدخله ( هذا المسجد لا يعرف بالضبط متى تم بناؤه، إلا أن خرائط مدينة يافا القديمة تؤكد انه بني خلال القرن السابع عشر ميلادي، واستخدم من قبل البحارة والسكان المسلمين، لأداء الصلاة قبل الإبحار)، بكلمات تؤكد أن تاريخ المكان فلسطيني حتى النخاع.
ويقول اسعد فلسطيني من سكان مدينة حيفا وهو يعمل في مركب الصيد الخاص به"مهنتي هي مهنة الآباء والأجداد، ومنذ نعومة أظفاري علمني إياها والدي رحمه الله، وما زلت إلى اليوم اعمل فيها وبشغف".
وأضاف "كل ما حولك يقول هذه يافا الفلسطينية، المباني والطرقات والمساجد والميناء، وبالرغم من كل المتغيرات التي أحدثت على المدينة، ولكن قلب المدينة بقي فلسطينيا، شاهدا على فلسطينية المدينة".
وحول الصيد من البحر قال "نبحر مع أذان الفجر إلى عمق البحر نصطاد يوميا ونبيع ما نقوم بصيده وسط المدينة في سوق السمك، على الرغم من ان هناك مشاكل تواجهنا في هذا القطاع إلا أن العمل جيد ولا بأس به، وبيع الأسماك سوق واسع وله مستهلكوه".
الميناء والمنارة من الشواهد التي لم تتغير فهو ذاته الميناء الذي استخدمه أجدادنا في الإبحار والصيد، ولم يتغير عليه شيء، وبقي شاهدا هو مسجده ( مسجد البحر) الملاصق للميناء ومحلات بيع الأسماك القديمة المقفلة حاليا، تقول بكلمات تشعر بها (هذا المكان فلسطيني بامتياز) رغم النكبة ورغم كل ما حصل.
يافا والتي بلغ عدد سكانها عام 1947 حوالي 72.000 ألف نسمة من الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين وقلة قليلة من اليهود، هجر معظم سكانها عام 1948، ليصبح اليوم عدد السكان العرب فيها وبعد 65 عاما فقط 20.000 من الفلسطينيين بمجمل سكاني حوالي 60.000 جلهم من اليهود.
وعلى الرغم من كافة التغييرات وتهويد المدينة إلا أن شعائر المسلمين في يافا بقيت كما هي، حيث ما ان رفع المؤذن أذان صلاة العشاء بدأ المصلون بالتوافد إلى المسجد على الرغم من أن محيط المسجد من مطاعم وبارات ملاه، لا يقول ان هناك مسجدا، فيما انشغل احد المصلين بتعليق بوسترات على مدخل المسجد تحث المصلين على المشاركة في أضاحي العيد ولتكون بشكل جماعي ولتصل لحومها إلى المسلمين والفقراء.