مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم    شهيد و3 جرحى في قصف الاحتلال وسط بيروت    أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية مجازر غزة وبيت لاهيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 43,846 والإصابات إلى 103,740 منذ بدء العدوان    الاحتلال يحكم بالسجن وغرامة مالية بحق الزميلة رشا حرز الله    اللجنة الاستشارية للأونروا تبدأ أعمالها غدا وسط تحذيرات دولية من مخاطر تشريعات الاحتلال    الاحتلال ينذر بإخلاء 15 بلدة في جنوب لبنان    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات  

شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات

الآن

غبار على شاشة السينما

رشا حرز الله

عام 1969م.. عقارب الساعة تقترب من الثامنة والنصف صباحا، كان 'كونترول' سينما العاصي في مدينة نابلس الطفل ربحي حمد، محاطا بسلسلة بشرية، الكل يتزاحم على شباك التذاكر لحجز مكان لحضور فيلم 'أبي فوق الشجرة' بطولة عبد الحليم حافظ، وناديا لطفي، وعماد حمدي وميرفت أمين، رغم أن توقيت العرض الرابعة مساء، إلا أن الناس حرصت على حجز تذاكرها قبل نفادها.

طيلة ساعتين من الزمان تبقى عيون المتفرجين محدقة بالشاشة الضخمة التي وضعت في قاعة مغلقة تحوي 600 مقعد، مقسمة إلى درجات: الأولى بسعر 5 قروش، والثانية بسعر 7 قروش ونصف، والثالثة أو ما يعرف بـ'اللوج' بسعر 12 قرشا، وما يميزها وجود مقاعد فاخرة، وأن من يحجز فيها يحظى باهتمام أكبر، وهذا كان مقتصرا على العائلات الميسورة.

افتتحت السينما التي تعود ملكيتها لعائلة العاصي، إحدى العائلات النابلسية المعروفة، أبوابها أمام الجمهور عام 1952، بغرض إيجاد متنفس للناس في المدينة، واستمرت في عرض فيلم واحد كل أسبوعين حتى عام 1967، وكان يعمل فيها آنذاك سبعة موظفين.

اليوم وبعد 62 عاما على عرض السينما الأول، بات الغبار أكثر كثافة من أي وقت مضى على الشاشة الهرمة التي كانت منفذ ابتسامة سعاد حسني لقلوب الشبان، وقوة وحش الشاشة فريد شوقي، وضحكة غوار الطوشة، ودلع الصبوحة، وصوت فريد الأطرش، ورنة خلخال سميرة توفيق، بالإضافة إلى الأفلام الهندية وأفلام 'الكاوبوي'. لم يبق من السينما سوى اسمها الذي اختفت ملامحه تحت بالصدأ، معلقا على جدار المبنى القديم وسط المدينة.

وأسهمت السينما في مواكبة المواطن الفلسطيني للإنتاج السينمائي والفني العربي والعالمي في ذلك الوقت، إذ حظي بعض نجوم التمثيل والغناء بحب ومتابعة المشاهدين.

وما أن سمع ربحي اسم السمراء اللبنانية سميرة توفيق حتى انفجر ضاحكاً، 'سميرة كانت محط إعجاب الرجال وغيرة النساء، اللواتي رغم ذلك يحرصن على مشاهدة أفلامها، كن يحضرن طعامهن وشرابهن وينتظرنها بفارغ الصبر. السينما اليوم خرابة لم يبق منها شيء سوى الذكريات'.

في تلك الفترة لم يكن جهاز التلفاز منتشرا في أوساط المواطنين، باستثناء القليل منهم، لذا كانت السينما متنفسا لقضاء الوقت، ومكانا تجتمع فيه العائلة والأصحاب خاصة يومي الخميس والجمعة، رغم أن بعض كبار السن كانوا يعتبرون الذهاب للسينما عيب و'قلة أدب'، لكنه لم يؤثر على حضور الجمهور، لدرجة أن بعضهم كان يحضر للسينما سرا.

ويصف 'الكونترول' ربحي (58 عاما) الذي أوكلت له مهمة ترتيب مكان المشاهدين وإحضار الأفلام الجديدة ومتابعة أمور السينما، ما كانت عليه في ليالي الأعياد، حيث تستمر العروض حتى ساعات الفجر: 'كانت هناك ثلاث دور عرض هي العاصي وغرناطة وريفولي، كان الناس يأتون من مختلف المدن والقرى، ورغم أن كل شيء متوفر اليوم، غير أن الجميع يحن لتلك الأيام. متعة مشاهدة السينما لا تقارن بالتلفاز وغيره '.

'كانت السينما تضم شاشة عرض ضخمة معلقة على الحائط، تعمل بواسطة فحم ناري أقوم بإشعاله وتسليطه على كرار الفيلم. أذكر أني استأجرت فيلم 'رامبو' بمبلغ أربعة آلاف دولار لمدة شهر، غير أننا كنا نربح مبلغا مضاعفا من العروض' قال ربحي.

ولم تكن الأفلام تخلو من مشاهد غير لائقة، خاصة مع وجود الأطفال، فقد حرص ربحي على إزالة المشاهد 'المخجلة والمحرجة' من الأفلام: 'كنت انتظر لحظة اقتراب اللقطة، أقوم بقصها بالمقص أثناء العرض وإعادة لصق الكرار، دون أن ينتبه الحضور إلى وجود خلل في الفيلم'.

وأشار إلى أن من الأفلام التي أحدثت ضجة في ذلك الوقت فيلم 'الرسالة'، حيث حضرت أفواج بشرية من طلبة المدارس لمشاهدته في السينما، بعد عمل دعاية للفيلم، عبر لصق صورته على باب السينما الخارجي، وتعليق صور أخرى على الجدران في حارات المدينة.

أغلقت السينما أبوابها خلال انتفاضة عام 1987 لمدة أربع سنوات، وعادت للعمل بعدها، فيما نال مبنى السينما نصيبه من الدمار خلال اجتياح نابلس عام 2002، حيث سقطت قذيفة إسرائيلية أحدث فتحة في الجدار الذي كانت تعلق عليه الشاشة، ولم تفلح الجهود في إعادة تشغيل السينما، وتم مؤخرا بيعها لبلدية نابلس.

وسينما غرناطة في نابلس ليست أفضل حالا، إذ تحولت إلى مخزن للأدوات الصحية، فقاعاتها مظلمة وتنبعث منها رائحة نتنة.

'أيام زمان أحلى يا ريت ترجع. كانت الناس عايشة ع البساطة'، جملة تتردد على ألسنة من عايشوا ذلك الزمن، فمعظمهم يؤمن بأن ذلك الزمن كان حقا، الزمن الجميل.

 

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024