في غزة: بيوت غابت رباتها وأطفالها فتحولت الى بيوت عزاء
نادر القصير - على وقع القصف والدمار ورائحة البارود قضى الغزيون عيد الفطر، وحرم أهالي الشهداء من إقامة بيوت العزاء آنذاك، وفي عيد الأضحى حضرت بقوة بيوت العزاء، فمنذ صباح اليوم الأول للعيد بدأ أهالي الشهداء الذين مكثوا في بيوتهم لاستقبال المعزين واستبدلت الكلمات التقليدية في مناسبة العيد، عيدكم مبارك، وحلت مكانها "عظم الله أجركم"، وبدا مشهد التكافل الاجتماعي الغزي يتجلى في أروع صوره، في الوقت الذي آثر فيه المواطنون تقديم العزاء لأهالي الشهداء ومواساتهم على تقديم التهاني لأقربائهم في العيد، وكشفت أيام العيد عن كوارث انسانية تاهت في زحمة كارثة العدوان الشاملة.
ومن تلك المآسي عائلة الشاعر بمخيم بشيت برفح التي كانت تبتهج بشبابها قبل الحرب ولم يبق منهم سوى أربعة جلسوا على ناصية بيوتهم المدمرة لاستقبال المعزين في أيام العيد، وعلقت صور شهدائهم التسعة الذين ارتقوا بقصف صاروخي أتى على ثلاثة بيوت للعائلة في آن واحد، ويقول أخو الشهداء محمد الشاعر: العدوان حول العيد لدى عوائل الشهداء الى مفتاح للجراح والذكريات التي تعيد ألم الفراق من جديد"، أما أم سعدي الشاعر فتقول:" لقد حرمتنا صواريخ الاحتلال من أعزاء على قلوبنا كانوا يملأون علينا المكان، وكانوا يدبون البهجة في العيد، وحرمنا من طلتهم على بيوتنا وزيارتهم لأرحامهم.
مشاعر مؤلمة تعيشها عائلات غزية فقدت أبناءها في الحرب، وجاء العيد ليضع الملح في الجراح، فهذا ياسر عبد الوهاب من سكان حي الجنينة يطل عليه العيد وقد فقد زوجته وأربعة من أطفاله في الحرب، يجلس على باب بيته هو وجيرانه الذين آثروا البقاء معه لمواساته على زيارة أقاربهم في العيد، وبدا كمن يعجز عن الكلام فشحنة الذكريات قوية، والجرح قد فتح يوم العيد من جديد، فلا زوجة تجهز البيت للعيد وتستقبل زوار البيت، ولا أولاد يزينون العيد بطفولتهم وبراءتهم، ويقول د. جلال شيخ العيد أحد جيران عائلة عبد الوهاب المكلومة : "في العيد الماضي كانت ضحكات أولاد ياسر تملأ المكان فرحة وسعادة وحيوية، واليوم كما ترى غابت الزوجة الحنون، وغاب أطفال البيت وحل الصمت"، مشيرا إلى أن العيد فتح جروحا غائرة لن تمحوها السنون وكأن المآسي تولد من جديد.
أما أبو ماجد تمراز وفي محاولة منه لإبعاد شبح الحزن عن الأم الثكلى في العيد, فحاول أن يمارس نفس طقوس العيد ويضحي كما كل عام سبق فقدان ابنه سعيد الذي استشهد بقصف صاروخي استهدف سيارته في الحرب، قائلا :" اعتقدت أن محاولاتي اضفاء أجواء اعتيادية كالأضحية، واستقبال المعزين دون علم أم ماجد سيخفف عنها، وسيبعد شبح الحزن عن البيت الذي لم يخل يوما من البكاء على فقدان ابننا سعيد، ولكن للأسف كل ذلك لم ينجح وتحول المنزل إلى بيت عزاء منذ الساعة الأولى للعيد "، مشيرا إلى أن هذه المناسبة على قدر حاجتنا إليها للتواصل مع أقربائنا وتجديد حميمية الرحم والعلاقات الاجتماعية الا ان إسرائيل بإجرامها حولتها إلى ملح استقر في جروحنا الدامية، وقلبت علينا الوجع، وعاد الحزن بقوة إلى البيت الذي تتفقد فيه أمه كل ركن فيه بحثا عن ذكريات ابنها الشهيد، ودموعها الساخنة تنساب على وجنتيها وهي تستقبل جاراتها معزيات، لمواساتها والتخفيف عنها.
بأي حال عدت يا عيد على أهل غزة المكلومين.. هذا حال أهالي الشهداء بغزة في عيدهم الأول بعد الحرب، تبدلت فرحتهم بسنتهم النبوية التي يحرصون على تأديتها بفرح كل عام، إلى مناسبة تجددت فيها الأحزان وفتحت فيها الجراح من جديد.