فيديو- العائدون إلى الحياة
لورين زيداني
'هذا الحرف ينطق هكذا، وذاك يكتب بهذا الشكل' .. يوجه طلابه ويعلمهم العبرية، تلك اللغة التي أتقنها خلال عشرين عاما قضاها خلف قضبان سجون الاحتلال الإسرائيلي، وكانت بطاقة العبور إلى الحياة من جديد.
بعد أقل من عام على خروجه من السجن، أصبح عصمت منصور معلماً للغة العبرية في مدرسة 'الروم الارثوذوكس' بقرية الطيبة شرق رام الله. شكّل ذلك فرصة للعودة بالزمن وتعويض ما فاته من سنين الشباب، خاصة أنه اعتقل حين كان في سن السادسة عشرة. يخالط طلابه ويكوّن معهم علاقة فضول متبادلة، من خلالهم يود التعرف على الحياة التي انقطع عنها طويلا، وهم يرغبون الاطلاع على شيء من تجربة الأسر كما عاشها عصمت.
محاطا بتلاميذه بعد انتهاء إحدى حصص اللغة العبرية، حدثنا منصور عن حياته الجديدة قائلاً: 'من الصعب التعامل مع طلبة ينتمون لعصر آخر ومفاهيم مختلفة، وأدوات تكنولوجية في التفاعل مع الحياة. رغم الظروف الصعبة تلقيت المساعدة من المدرسة ومديرتها. من ناحيتي اعتبرت نفسي منفتحا على التعلم. لا أعطيهم فقط، بل أتعلم منهم كيف أعيش وكيف ابدأ من جديد، علاوة على تعليمهم لغة يجب على الفلسطيني معرفتها'.
عبير خوري مديرة المدرسة أعربت عن الترحيب الدائم بالأسرى المحررين في طاقم المدرسة، خاصة أنه سبق لثلاثة منهم العمل كمعلمين، وترى أن من واجب الجميع مساعدتهم على الانخراط مجدداً في المجتمع.
إصرار عصمت على الحياة ورغبته في استثمار الدقائق كلها، دفعاه لنقل معرفته في المجتمع الاسرائيلي من خلال تجربة الأسر؛ عن طريق برنامج إذاعي يبث أسبوعياً يحمل عنوان 'الصهيوني الجيد'، في إذاعة 24 المحلية.
يتناول البرنامج أهم القضايا في الساحة الاسرائيلية بالنقاش والتحليل، بمشاركة عدد من الضيوف المختصين، ويعرض تقارير صحفية تتعلق بموضوع كل حلقة.
في نادي الأسير إحدى المؤسسات المعنية بتقديم المساعدة للأسرى داخل وخارج المعتقلات، تتحدث إيمان الغزاوي على الهاتف طويلا مع إحدى أمهات الأسرى، تطمئنها عن ابنها وتسرد لها تفاصيل لقاءه بالمحامي.
إيمان تدرك جيدا شعور الأهل عند سماع أو معرفة اي شيء يتعلق بأبنائهم المعتقلين، لأنها عاشت التجربة نفسها، عندما اعتقلت في 3-8-2001 وقضت حكما لمدة 10 أعوام، بعيدا عن أهلها وابنيها جهاد وسماح، وهذه الوظيفة بالذات كانت اختيار إيمان لتعيش حياتها من جديد.
إيمان أكدت أن ما سهل عليها خوض غمار الحياة من جديد؛ دعم أسرتها وشدهم الدائم من أزرها داخل وخارج السجن، علاوة على أمل لقائها ولديها الذين تركتهما طفلين.
كان أصعب ما عاشته بعد التحرر التأقلم مع ابنتها سماح (17 عاما)، التي نشأت في بيت جدها لأبيها بنابلس، وازدادت صعوبة التواصل بعد انفصال إيمان عن زوجها ونشوب خلاف مع عائلة الأخير، إلا أن العقبات تذللت تدريجيا، فعادت الأم تحتضن ابنتها تحت سقف واحد.
تجربة الاعتقال بما فيها من عذاب الجسد وبعد عن الأهل وانقطاع عن العالم الخارجي سنين طوال؛ تشكل عقبة في طريق الأسرى المحررين للتأقلم والاندماج، إلا أن برنامج تأهيل الأسرى المحررين التابع لهيئة شؤون الأسرى والمحررين؛ يقدم خدمات من شأنها دعم الأسير في العودة إلى الحياة، بدءا ببرنامج التأهيل المهني، الذي يعطي فرصة الحصول على دورات في مختلف المجالات حسب حاجات سوق العمل، أو تقديم المساعدة في حال رغب الأسير في استكمال تعليمه الجامعي، من خلال دفع نسبة من الرسوم، إضافة الى إمكانية المساعدة في إنشاء مشاريع ذاتية من خلال برنامج قروض المشاريع، علاوة على الرواتب الشهرية التي تقدم لكل المحررين.
'أن يعطوا الأسير هذه الفرصة، أن يعاد تأهيله وانخراطه في المجتمع بشكل سليم، خاصة أنه يخرج من السجن حاملا الكثير من العقد، وعاش حياة مختلفة عن الواقع، فيقع في العجز والإحباط ، لذا يجبأن يحصل على الإرشاد والتأهيل النفسي لتجاوز الازمة'
'أن يعلنوا عن دورات إعادة التأهيل النفسي للأسرى، ويشددوا على حضورهم، ما يؤدي إلى تجاوب أكثر مع معطيات الحياة'.
اجتمعت آراء كل من عصمت وإيمان على أهمية دور التأهيل النفسي للأسرى، إلا أن هذه الدائرة التي أسست في 1995 لم تعد موجودة لعدم وجود الطاقم المؤهل على العمل بها، حسب مدير عام برنامج تأهيل الأسرى المحررين في هيئة شؤون الأسرى محمد البطة، حيث قال: 'الدائرة لا تزال على هيكلية الهيئة باسم (دائرة الإرشاد والرعاية النفسية)، لكن الطاقم الذي كان موجودا بها ولديه الخبرة الكافية للعمل كان مرتبطا بتمويل الحكومة السويسرية. عندما انتهى الدعم توقفت الدائرة.
ويؤكد البطة أن الهيئة لديها مخطط لتفعيل دائرة التأهيل مجدا، لأهمية التوعية النفسية في مضي الأسرى المحررين قدما في الحياة.