مع حلول الشتاء...عربات الذرة تغزو شوارع رام الله
يامن نوباني
عجلات يعلوها قطعة خشبية مستوية، بمساحة لا تزيد عن المتر، يستند إلى حوافها لوحان من الزجاج، يجلس فوقهما غطاء بلاستيكي أصفر، فيتشكل كوخ أصفر صغير، مُتحرك، يُجرُ باليد، يُزاحم السيارات والمارة على جوانب الشارع، يقوده في الغالب شاب صغير، يبتسم للمارة وينادي: 'ذرة، ذرة سخنة وزاكية'.
زيدان صافي '14' عاما من مخيم الجلزون، يتكئ على جدار حديدي يفصل المارة عن الطريق في شارع الإرسال، وسط مدينة رام الله، يُنظف كوخه الأصفر بواسطة قطعة قماش بسيطة، مُبللة، مُكرراً الأغنية المنبعثة من هاتفه المُعلق بسقف العربة 'وتعال تعال تعال يا حبيب العمر تعال'،
يُرتب زيدان الكاسات البلاستيكية بطريقة 'هرم'، الصغيرة ب5 شيقل، المتوسطة ب7 شيقل، الكبيرة ب10 شيقل، سدين '4'سنوات وشقيقها شادي '5'سنوات، يصلان مسرعين، بلهاث خفيف، يقفان أما العربة، عين ترقب بخار الذرة المتصاعد من تحت غطاء حديدي، والعين الأخرى تراقب خطوات والدهما البطيئة، القادمة تجاههما، وصلا قبله شوقا للتسلية الشهية 'الذرة'، يقول والد الطفلين أبو شادي: 'في كل مشوار لي الى رام الله بصحبة سدين وشادي لا بد لنا من التوقف عند بائع ذرة، وكالعادة يسبقاني الى العربة ويبتسمان'.
يعج وسط رام الله بالأكواخ الصفراء، ميدان الساعة، ميدان المنارة 'ميدان الأسود' وهو المركز الرئيس للمدينة، تتفرع منه شوارع جميلة مكتظة بالمارة والسيارات التي تمشي بهدوء ونعومة، شارع القدس، شارع النهضة، شارع الإرسال، والشارع الرئيسي، المعروف لدى الناس بشارع 'ركب'، نسبة إلى بوظة ركب، أول محل يصنع البوظة في رام الله، وأنشأته 'أم جميل ركب' في العام 1941، ويمتاز الشارع الرئيسي 'ركب' بأناقة محاله وروعة المشي فيه.
في هذه الشوارع والميادين الرئيسية تتركز الأكواخ الصغيرة، ناثرة بخار الذرة الطازجة في أنوف المارة، الطفل والصبية، الشاب والعجوز، عرباً وأجانب، يقصدونها في الشتاء أكثر، فالذرة الساخنة والطازجة تبعث الدفء والابتسام.
أكواخ بأسماء شتى، باللغتين العربية والانجليزية ' الأقصى ملك الذرة، NATALIE CORN، حلا كورن، SWEET CORN، ملك الذرة والسحلب، JOJO CORN، ملك التسالي'، آخرون زينوا أكواخهم بعبارة تُلفت نظر المارة، فخط شادي محسن من رام الله التحتى: شادي كورن الطعم المميز، ذرايتك زاكية ومستوية.
وتعتبر عربة شادي من أكثر العربات شُهرةً في رام الله، نظراً لوجودها في الشارع الرئيس 'ركب'، ولطعمها الشهي كما يقول زبائنه.
'جو تحضير الذرة حلو وبسيط'، يقول راكان من رام الله، أثناء تحضيره الذرة الساخنة في عربته التي تقف وسط ميدان الساعة، ويضيف راكان: يأتي لعربتي الكثير من الأصدقاء الذين يتعازمون على كاس ذرة، وخُطاب جُدد أو عرسان جُدد يستهويهم المشي في شارع النزهة القريب، أو الجلوس على نافورة الماء على الميدان.
ويحضر كأس الذرة من حبيبات الذرة، يُضاف اليها زبده، ثم ينثر عليها بهارات منوعة 'بهار دجاج، بهار باربكيو' لمنحها لون ونكهة، كما يُضاف إلى الخلطة الملح، والفلفل أسود، وتنتهي بقطرتين من عصير الليمون.
رغم أن اللون الأصفر معروف على أنه لون القلق، إلا أن عربات الذرة بدلت هذا الشعور إلى دفء وطمأنينة.