لأول مرة.. «الوطن» تكشف «العالم السري» لتهريب الأسلحة عبر أنفاق غزة
لم يكن الوصول إليه سهلاً، بل ليس آمناً كذلك. لكن الحقيقة دوماً تستحق المجازفة، وحق مصر في أن
تعرف أبعاد الخطر الكامن تحت الأرض كافٍ لتحمل القلق المُختبئ وراء نصف ابتسامة بدأت في التلاشي
كلما توغلت السيارة التي تحملنا إلي عمق الصحراء، حيث لا ظل إلا ظل الله ومساحات شاسعة من اللون
الأصفر علي جانبي الطريق وبضع "ذُباب" جبلي يُصر أن يضيف علي المشهد المتوتر لمسته الخاصة.
فجأة ينحرف بنا الطريق إلي أحد "المدقات" غير الظاهرة في طريق وعر للوصول إلي مكان خفي في
المنطقة الحدودية في رفح.
استمرت المفاوضات لأكثر من 3 ساعات، بين محاولات للإقناع تارة والتهديدات تارة أخري، وتلخصت في
أنه حال عدم تنفيذ الشروط المحددة للموافقة علي إجراء الحوار ستكون العواقب وخيمة. وما بين الدقيقة
والأخرى عليك أن تتوقع المواجهة مع المجهول، أياً كان تعريف هذا المجهول: قنص من رصاصة
موجَّهة في الخفاء، كمين تكفيري ينتظر إشارة التنفيذ، اختطاف ممنهج، وربما ما هو أكثر، فأنت لا تعلم
من هو الذي لا يريدك أن تخترق مملكته الخاصة في عالم التهريب عبر الأنفاق، ففي بعض مناطق
شمال سيناء كل شيء ممكن ولا صوت يعلو فوق صوت الرصاص. الشروط لم تكن بالكثيرة، تلخصت
في 4 نقاط أساسية: كتابة كل ما يُقال بالحرف الواحد بلا زيادة أو نقصان، إنهاء الحوار فوراً إذا شعر
أن هناك خطراً ما دون إبداء أسباب، ارتداء حجاب علي الرأس للصحفية التي ستجري الحوار، وارتداء "
لثمة" كما تُنطق باللهجة السيناوية، أي "لثام" لإخفاء معالم الوجه كاملة، أما الاسم فليكن "سليمان"
ولا يجب توجيه أي سؤال إضافي آخر عن أي معلومات شخصية عنه أو عن المكان وغير مسموح
بالسؤال عن أي أسماء.
الأنفاق التي يهدمها الجيش يعاد بناؤها في اليوم التالي.. لكن بطريقة "تكتيكية" حتي تستطيع الحركة
الفلسطينية تنفيذ مخططاتها.. وجميع الأنفاق علي شكل "شبكة عنكبوتية".. فإذا تم هدم أحدها تقوم
"حماس" بالابتعاد 10 أمتار.. وتفتح آخر في مكان فرعي
"سليمان" يكشف، في حوار خاص جداً مع "الوطن"، عن أسرار عمليات تهريب الأسلحة عبر الأنفاق
من قطاع غزة إلي سيناء: كيف تتم؟ من المسئول عنها؟ أسعار كل نفق وأنواعه، شروط تهريب السلاح
وأنواعها الجديدة، العمليات النوعية التي قامت بها "حماس" في سيناء وعلاقتها بالإخوان والجماعات
التكفيرية، كيف انتشرت عمليات تهريب السلاح في عهد المعزول محمد مرسي لدرجة أن أصغر طفل
يستطيع أن يحمل سلاحاً دون أن يسأله أحد: "ماذا تفعل؟"؟ وغيرها من التفاصيل والأسرار التي تُنشر
لأول مرة في واحدة من أخطر المهام الصحفية التي تكشف عن خبايا الإرهاب الأسود الذي يزج بمصر
إلي أتون حرب شرسة غير معلنة تحصد أرواح مواطنين أبرياء ورجال الشرطة والجيش كل يوم. هي
الحرب التي تحدث عنها القيادي الإخواني محمد البلتاجي يوماً ما والتي أكدها "سليمان" في عبارة
ساخرة: من لم يستطِع أن يصبح إرهابياً في عهد "مرسي".. لن يستطيع أن يفعلها في أي وقت آخر.
'سيلمان' أحد كبار مهربي الأنفاق في سيناء يتحدث لـ'الوطن' :
- متي بدأت عمليات التهريب في الازدهار حتي وصلت إلي ما هي عليه الآن؟
- بدأت منذ عام 2007 من أيام حسني مبارك، حتي لما عمل "مبارك" الجدار العازل، بدأوا "يقصوا
فيه ويعملوا فتحات" وكانت تنتشر في تلك الفترة عمليات تهريب المواد الغذائية والمستلزمات المنزلية
والملابس وغيرها من متطلبات الحياة اليومية بسبب الحصار المفروض علي غزة، وكان كل الناس عندنا
في ذلك التوقيت يعرفون أننا نعمل في الأنفاق وبلا مشاكل.
- من الذين تقصدهم بـ"كل الناس"؟
- الحكومة والبدو.
- علي وجه التقريب.. كم كان عدد الأنفاق في تلك الفترة؟
- حوالي 1000 نفق فقط، أما اليوم فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكونوا أقل من 3000 نفق.
- من الذي يقوم علي حفر النفق منذ بداية الفكرة؟
- حركة حماس هي التي تتولي الاتفاق علي كل شيء، بداية من تحديد المكان الذي سيتم فيه حفر
النفق، والتمويل اللازم لحفره، وتوفير العمال لحفر النفق المطلوب، وتحديد من سيكون مسئولاً عن هذا
النفق أمام حماس، ونوعية البضائع التي سيتم تهريبها، وكيفية تسليم وتسلم المقابل المادي مع كل
عملية تهريب.
- كيف تتحدد صلاحية البيت من عدمه لحفر نفق؟
- في الغالب، تكون الأنفاق في بيوت العائلات التي ترتبط بمصاهرة أو علاقات نسب بين رفح المصرية
ورفح الفلسطينية، ومعظمها يقع علي الشريط الحدودي، وإذا لم يتوافر هذا الشرط، يكون اختيار البيت
بناء علي توجهات صاحبه وتفكيره وتاريخه الشخصي وسمعته وانتماءاته ويتم التأكد من كل ذلك قبل
البدء في عملية الحفر.
قائد عمليات التهريب خلال حواره لـ"الوطن"
- هل هذا يعني أن "حماس" تجري أولاً تحريات عن انتماءات صاحب كل بيت قبل حفر نفق عنده؟
- نعم، وذلك من خلال المساعدين الذين يعملون معهم، وهم منتشرون في كل مكان، حيث يقومون
بتقصي تحركاته، توجهاته، وأهم شيء بالنسبة لهم: هل هو علي علاقة بالحكومة أو الجيش أم لا.
- علي أي أساس يتحدد سعر كل نفق؟
- حسب قربه من الحدود، فمثلاً كلما اقترب البيت من الحدود كان سعره أعلى، فالبيت الذي يقع علي
بعد 500 متر فقط سعره أكبر من ذلك الذي يقع علي بعد كيلومتر أو كيلومترين، لكن إجمالاً أقل نفق لا
يقل ثمنه المدفوع عن 100 ألف دولار، وهناك بيوت فيها أكثر من نفق بحسب موقعها الاستراتيجي
بالنسبة لـ"حماس".
- كم من الوقت تستغرق عملية حفر النفق الواحد؟
- النفق الصغير من أسبوع إلي 15 يوماً، والنفق الكبير المخصص لعبور السيارات حوالي شهر ونصف
الشهر.
- كيف يمكن لحافري الأنفاق التنفس تحت الأرض، خاصة عندما يعملون علي حفر نفق كبير؟
- كان هناك عمال كثيرون يموتون من الاختناق ويردمون عليهم بعد موتهم، لكن منذ فترة تطورت
عمليات الحفر بعد الاستعانة بمراوح تهوية أثناء العمل في كل نفق.
- بعد حفر النفق، هل يتم تجهيزه بطريقة معينة؟
- نعم، توضع فيه مراوح تهوية أيضاً حتي يكون صالحاً لعبور الأفراد بالإضافة إلي الإنارة بالكامل.
- من أين يحصلون علي الكهرباء اللازمة لإنارة الأنفاق؟
- من "حماس" من داخل غزة، وفي أوقات أخري من خلال سرقة التيار الكهربائي في المنطقة
الحدودية في سيناء.
- ألم يحد قرار فرض حظر التجوال المُطبَّق منذ ما يقارب العام ونصف العام من عمليات التهريب أو
بناء الأنفاق؟
- لا، فشق الأنفاق تحت الأرض، أما بشأن التهريب، فإن كل ما يراد تهريبه يتم شراؤه في ساعات
الصباح الأولي وتخزينه، ثم يجري تهريبه في المساء بكل سهولة، لأن الأنفاق داخل البيوت والبيوت
مغلقة علي أصحابها.
- هل للأنفاق أنواع مختلفة، بمعني أن هناك أنفاقاً مخصصة لبضائع محددة حسب تصنيفات معينة؟
- نعم، هناك أنفاق للبضائع الغذائية وأخري للسلاح وثالثة للأفراد ورابعة للسيارات، وكل نفق يكون
مجهزاً لنوع البضاعة التي تمر منه، حيث لا توجد أنفاق شاملة لمختلف البضائع في وقت واحد، أما من
الناحية الهيكلية للنفق، فيمكن تصنيف الأنفاق إلي 3 أنواع من حيث نوعية الحفر، فهناك أنفاق "
عيون، سلالم، مدفونة"، فضلاً عن أنفاق سرية لها تكتيكات خاصة في التنفيذ لا يعلم عنها أحد شيئاً،
وهي مخصصة لقيادات "حماس" وكوادرها فقط.
- ما الفرق بين أنفاق "العيون" و"السلالم" و"المدفونة"؟
- النفق "العين" يعني أنك حينما تصل إلي نهايته يكون هناك كرسي يجلس عليه الأفراد الهاربون عبره
ويسحب الكرسي لأعلى بموتور، أما النوع الثاني فإنه ينتهي بسلالم تصعد إلي سطح الأرض علي هيئة
درجات تشبه نظام "المقبرة"، أما النفق المدفون، فهذا لا يظهر أفراده علي سطح الأرض أبدا، بحيث
يخرج من النفق إلي مخبأ سري تحت الأرض أيضاً ويظل مختبئاً.
- كيف يجري حفر النفق وتحديد إحداثيات المنزل من تحت الأرض للتأكد من أن هذا هو البيت
المقصود؟
- كل الأنفاق تُحفر يدوياً من خلال معاول حفر وجراكن لتفريغ الرمل الذي يتم استخراجه، وطبعاً لا
يوجد نظام "مجسات"، وفي كل متر يتم حفره تجري عملية "تسقيف" بالخشب ليستمر العمل في المتر
الذي يليه وهكذا.. أما البيوت المطلوب حفر أنفاق بها، فيقف صاحب البيت علي الحدود ويعطيه "علامة
معينة" لتكن مثلاً عصا عليها قطعة قماش حمراء اللون، أو ماسورة حديد، فيبدأ في التحرك بناء علي
هذه العلامة للوصول إلي البيت المحدد.
- نفذ الجيش عمليات ردم كثيرة للأنفاق، ومع ذلك ما زالت هناك أنفاق، ما السبب؟
- لأنهم يقومون بسرعة بتطوير أنفسهم وإيجاد بدائل، فالأنفاق التي تُهدم يُعاد بناؤها في اليوم التالي،
لكن بطريقة تكتيكية أعلي لكي يستطيع تنفيذ مخططاته في زعزعة الاستقرار في البلد، وعلشان يفضل
شغال دايماً، وطبعاً هناك دائماً تمويل من الخارج، فالأنفاق في المنطقة الحدودية كلها علي شكل "شبكة
عنكبوتية"، بمعني أنه إذا تم ردم نفق معين، تقوم "حماس" فوراً بالابتعاد عن هذا النفق حوالي 10
أمتار وفتح نفق جديد في مكان آخر فرعي، مش "البلتاجي" قال مرة "إذا عايزين الهدوء في سيناء
خلال ساعات، مالكمش دعوة بينا"، هذا هو ما كان يقصده، الإخوان لهم يد في كل حاجة بتحصل في
سيناء، لأن "حماس" هي ذارعهم العسكرية، لدرجة أنهم اليوم بدأوا في تصنيع عبوات ناسفة يعطونها
لعيال صغيرة يحطوها علي الطريق ويجروا لتفخيخ قوات الأمن في الشوارع.
- في الجهة المقابلة من غزة، أين تفتح هذه الأنفاق؟ هل في بيوت غزاويين أيضاً؟
- نعم، لأن "حماس" تأخذ ضرائب عن كل ما يتم تهريبه من هذه الأنفاق، وهناك وزارة تابعة لهم
اسمها "وزارة الأنفاق" ولها سلطات كبيرة ولديها قبضة حديدية لدرجة أنها قد لا تسمح أبداً بمرور "
ذبابة" إلا وتعرف من أين أتت ولمن هي ذاهبة وتُقدر عليها الضرائب المستحقة، وإذا اكتشفت "حماس"
صدفة أن هناك من فتح نفقاً دون معرفتها تقوم فوراً باعتقاله مع دفع غرامة "مليون دولار" كاملة.
عمال كثيرون ماتوا من الاختناق أثناء الحفر وكانوا يردمون عليهم بعد موتهم.. وتطور الأمر إلي
الاستعانة بالمراوح.. والكهرباء تأتي من داخل غزة أو المنطقة الحدودية وبعد الانتهاء من الحفر يتم
إنشاء ما يسمي "قطاراً": "موتور" في بداية النفق.. وآخر في نهايته.. وبينهما "حصيرة" لنقل المواد
المهربة عليها
- بعد إتمام عملية الحفر، كيف تنقل البضائع، خاصة إذا كانت من الأحجام والكميات الكبيرة؟
- بعد الانتهاء من حفر النفق يتم إنشاء ما نسميه "قطاراً"، أي نضع موتوراً في بداية النفق وموتوراً
آخر في نهايته، وما بين الموتورين توضع حصيرة خشبية علي شكل أسطوانات أو حصيرة "صاج"،
مع وضع "سير"، أي حاجز، يمنع انزلاق المواد المهربة علي يمين ويسار هذه الحصيرة، وتوضع فوق
هذه الحصيرة براميل بلاستيكية كبيرة مقسومة نصفين، بحيث يمثل كل نصف منهما وعاءً كبيراً يحتوي
البضائع، مع ربطهم ببعضهم البعض بحبال قوية للغاية تمر في منتصف كل برميل لتعطي في النهاية
شكل "القطار" الموصولة عرباته ببعضها البعض، وعندما تبدأ عملية التهريب يقوم الموتور بدفع
الحصيرة من ناحية والموتور الآخر بسحب الحصيرة من الجهة الأخري لكي تصل البضائع من سيناء إلي
غزة، والعكس.
- من المسئول عن فتح النفق وإغلاقه بعد ذلك؟
- صاحب البيت نفسه يكون "أمين الخط"، وهذا هو المصطلح الذي يُطلَق علي كل صاحب بيت لديه
نفق، ويتلقى الأوامر ويرسل المعلومات التي يريدها أيضاً من خلال خط موبايل "أورانج" أو "جوال"،
وهي خطوط اتصالات إسرائيلية تعمل في المنطقة الحدودية فقط يتم تسليمها لكل "أمين خط" ولا تكون
لها علاقة بشبكة الاتصالات المصرية تماماً، أما تحديد المواعيد ونوعية البضاعة فيكون من خلال
عمليات التنسيق بينهما.
- هل يحصل "أمين الخط" علي مقابل مادي عن كل عملية تهريب؟
- نعم بالطبع، وهذا يختلف بحسب نوعية المواد المهربة، فالبضائع تكون بحسب "الكيلوجرامات" للمواد
المهربة، وفي بعض الأوقات تكون كل "دخلة بضاعة" عليها 1000 دولار كمقابل، أما الأفراد فيكون
علي كل "رأس" يمر من النفق 200 دولار، سواء أكان داخلاً إلي سيناء أم خارجاً منها، مع شرط أن
يكون هناك تنسيق كامل مع "أمين الخط" في غزة وأن تعطي "حماس" أولاً معلومات تفصيلية عن هذا
الشخص لكي تتأكد من أن هذا الذي سيأتي ليس له علاقة بالحكومة وبالتالي لا تقبض عليه "حماس"
إذا ذهب عندها، ويمكن القول: إن تجارة الأنفاق مقسمة علي 10 عائلات بعينها فقط في الشريط
الحدودي.
- هذا يعني أن كل "أمين خط" تعمل تحت يده مجموعة في عمليات التهريب؟
- نعم، كل "أمين خط" لديه مجموعة لا تقل عن 3 - 4 أفراد من الشباب الصغير، تتراوح أعمارهم بين
15 و22 سنة، هو الذي يتولى توجيههم، ويعمل بعض منهم أيضاً "ناطور" علي الخط لتأمين عمليات
التهريب، كما يحصل كل واحد منهم علي 150 - 250 جنيهاً في "النقلة" الواحدة عبر النفق.
- هل يذهب هؤلاء العمال إلي غزة لتسليم بضائع ويعودون مرة أخري؟
- لا، يقابلهم عمال من غزة في منتصف النفق، من خلال التنسيق بين "أمين الخط" في رفح مع "
أمين الخط" في غزة، لأن "ما حدش يقدر يعدي" في اتجاه غزة، وهذا لاعتبارات أمنية تخص "
حماس"، فكل شخص يعبر من الأنفاق إلي اتجاه غزة، تعطي له حماس "كود سري معين" يتحرك به
كإشارة أمان، وإلا سيتعرض للاعتقال فوراً.
- إذا حدثت مشكلة ما أثناء عملية التهريب، كيف يتواصلون مع "أمين الخط"؟
- لديهم أجهزة "ماخشير"، أي أجهزة لا سلكي، خاصة بهم، يستطيعون التواصل من خلالها في أي
ظرف طارئ، كما أن هناك جهازاً آخر يكون مع "الناطور" المختبئ علي أول الشارع الذي يقع فيه البيت
الذي يوجد به النفق ويرصد التحركات المحيطة في المنطقة، بحيث إذا مرت أي دورية أمنية أو أحد
الأفراد التابعين للأمن، يقوم فوراً بإبلاغه "خلي بالكم، الحملة جاية".
- هل سبق أن رفض أحد من أصحاب المنازل فتح أنفاق وتعرضوا لتهديد من حماس؟
- لا أعتقد، فهناك لغة "الفلوس". إذا وجد صاحب البيت أن كل شيء متوفراً وهناك فلوس لا حصر لها
يستطيع الحصول عليها من مجرد نفق في بيته وهو لا يقوم بأي مجهود، بالطبع سيوافق، هم لديهم
إغراءات مالية كبيرة، خاصة أن تهريب السلاح يكون المقابل المادي فيه أكبر بكثير من البضائع
الغذائية، أما إذا ما قرر صاحب بيت لديه نفق "سلاح" أن ينسحب أو يوقف التعامل معهم، لا يقتلونه
وحده فقط، بل هو وعائلته كلها.
- هل تخضع أنفاق تهريب الأسلحة لترتيبات خاصة؟
- نعم، فحماس وحدها هي التي تحدد ما إذا كان هذا النفق يصلح لتهريب السلاح أم لا، وهنا تجري
تحريات مضاعفة عن صاحب البيت وعائلته وجيرانه وترصد كيف يتعامل مع الوسط المحيط به، هل
يتكلم كثيراً أم أنه كتوم؟ هل هناك أحد من أفراد عائلته له علاقة بالأمن أم لا؟ فهي في النهاية أنفاق
سرية للغاية وغير مسموح لمن يمتلك أحدها في منزله أن يتكلم عنها، حتي مع أقرب الناس إليه وإلا
يكون مصيره القتل فوراً، ولأجل ذلك يكون المقابل المادي فيها كبيراً جداً.
- هل يحصل صاحب البيت الذي يمتلك نفق تهريب "سلاح" علي مقابل مادي عن كل قطعة سلاح
تمر من بيته؟
- نعم، يعني مثلاً السلاح الآلي لكي يعبر إلي مصر "في دخلته بس" يكون المقابل من 500 -
1000 دولار عن القطعة الواحدة، ولو قذائف هاون أو "آر بي جي" التي يجري تهريبها بكميات كبيرة،
قد يصل المقابل إلي مليون دولار، لأنهم لا يتعاملون بالجنيه المصري.
- كم يقدر عدد الأنفاق المخصصة لتهريب السلاح من إجمالي عدد الأنفاق علي الشريط الحدودي؟
- العدد الفعلي غير معروف، لأنها سرية للغاية لكنها تقدر بالمئات.
- هل تفتح أنفاق تهريب السلاح في الجهة المقابلة في البيوت العادية في غزة؟
- لا لا، في الجهة المقابلة تفتح هذه الأنفاق في أماكن تابعة لقيادات حماس فقط، بمعني أنها قد تكون
مدرسة تابعة لحماس، أو مركزاً تابعاً للمخابرات في حماس، أو ساحة كبيرة تابعة لهم، أو سجناً، كما لا
تفتح أيضاً هذه الأنفاق في أماكن على الحدود في رفح الفلسطينية، بل يسير بها بعمق كيلو ونصف
علي الأقل إلي ما بعد الحدود للوصول إلي هذه الأماكن المحددة فقط، ومن ثم يتم تفريغ شحنة السلاح
وتُعبأ في سيارات "جيب مصفحة تابعة لسلطة حماس" ثم يتم توزيعها علي الأمن الداخلي ومعسكرات
التدريب بعد ذلك.
- هل هناك أنفاق مخصصة لتهريب السلاح لكتائب مُسلحة بعينها داخل غزة؟
- نعم، فهناك أنفاق مخصصة لتهريب أسلحة لكتائب القسام، وهي تختلف عن الأنفاق المخصصة لسرايا
القدس، فكل كتائب عسكرية مسلحة لها منفذها الخاص لتهريب السلاح، لكن كلهم تحت قيادة حماس.
- هل صحيح أن حماس تُخبئ أفرادها في وقت الأزمات في تلك الأنفاق أيضاً؟
- نعم، وهذه الأنفاق السرية فيها كل سبل المعيشة الكاملة للإقامة من مأكل ومشرب ووسائل ترفيه
أيضاً.
الأنفاق ليست "شاملة" وإنما حسب التهريب: نوع للبضائع الغذائية وللسلاح.. وللأفراد.. والسيارات..
وعدد الأنفاق قفز من 1000 إلي 3000 خلال 7 سنوات.. وتسعيرة البضاعة 1000 دولار والأفراد
200 دولار.. وتجارة الأنفاق مقسمة علي 10 عائلات بعينها في الشريط الحدودي
- من أين يحصلون علي السلاح الذي يتم تهريبه إلي غزة؟
- من خلال صفقات تأتي في الغالب من الصعيد ولا أعرف كيف تدخل إلي سيناء، وبعض تجار السلاح
يشترون السلاح من الناس هنا بمبالغ مالية كبيرة.
- هذا بالنسبة للسلاح المُهرب إلي حماس، ماذا عن المُهرب إلي سيناء؟
- يُفتح في بيوت سرية تتبع أشخاصاً ولاؤهم مضمون تماماً.
- ما أهم أنواع الأسلحة التي تأتي من غزة إلي سيناء عبر الأنفاق؟
- كل أنواع "البواريد" أي الأسلحة الرشاشة، أما بعد 30 يونيو، فبدأت تأتي لنا أسلحة كثيرة مختلفة،
في مقدمتها كل الأسلحة المضادة للطائرات، الرشاشات الآلية الصينية الصنع "البواريد"، خِزن السلاح
"الـ14 ونص، والنصف بوصة"، وبعد فض اعتصامي رابعة والنهضة أصبح يصل لنا السلاح الثقيل
"قذائف الهاون" 32 و82 مللي، قذائف الـ"آر بي جي"، والدانات الخاصة بها، العبوات الناسفة التي
تقوم بتصنيعها "كتائب القسام" لأننا لا نملك هنا المواد التفجيرية الخاصة بها، مثل مادة TNT، و"
القناصات" أسلحة القنص وM 16 وهذه الأسلحة يتم "تحويشها" أي تخزينها في مخازن خاصة لحين
وقت استخدامها في العمليات الإرهابية، فحتي ثورة 25 يناير كان كل واحد قاعد في "جحره" والذي كان
لديه سلاح، كان يخاف أن يقول إن "عنده سلاح".
- كيف يجري تهريب السلاح القادم من النفق إلي داخل سيناء بعد ذلك؟
- من خلال السيارات المسروقة التي لا تحمل أرقاماً خاصة السيارات "الكروز، الفيرنا، التايلاندي،
الإلنترا"، حيث تعبأ هذه الأسلحة في "شوال" ثم الخروج بها من منطقة الأنفاق من خلال طرق خاصة
سرية لا يعرفها أحد.
- كيف يستخدم الإرهابيون الأنفاق في تنفيذ العمليات الإرهابية؟
- يدخلون عبر تلك الأنفاق السرية وفق مواعيد محددة لتنفيذ عملياتهم والعودة مرة أخري إلي غزة،
بمعني أنه قد يكون أمامه نصف ساعة فقط لدخول سيناء إلي المكان المحدد وتنفيذ العملية والعودة،
وبناء علي هذا التوقيت يجري فتح وإغلاق النفق ولا يفتح مرة أخري إلا مع عملية جديدة، وهم مدربون
جيداً علي تنفيذ ذلك كله من خلال تكتيكات عالية جداً في الوقت المحدد، وقد بدأوا مؤخراً في تدريب
العناصر التابعة لهم في سيناء علي تنفيذ هذه الخطط أيضاً.
- هل هذا يعني أن هناك عناصر تكفيرية تابعة لحماس تعيش في سيناء وتذهب إلي المعسكرات
التدريبية في غزة لتلقي التدريبات والعودة مرة أخري إلي سيناء؟
- بالضبط، وتحديداً إلي "معسكر جباليا" لأنه أأمن مكان يتم فيه التدريب، وهناك أنفاق سرية تكون
فتحتها داخل المعسكر مباشرة أيضاً، فهم لا يظهرون علي الأرض أبداً، وكل حياتهم تحت الأرض.
- ما تقوله يعطي تفسيراً مباشراً للغز اختفاء الإرهابيين بسرعة بعد القيام بالعمليات الإرهابية في سيناء
دون أن يعثر عليهم الأمن؟
- نعم، فهم يعرفون وجهتهم تماماً بعد تنفيذ العملية الإرهابية، ولهم طرق خاصة بهم غير معروفة في
عمق الصحراء يستطيعون الوصول منها بسرعة إلي الأنفاق التي سيختفون بها فترة أو سيعبرون منها
إلي الجهة الأخري.
- هل يمكن أن تُستخدم هذه الأنفاق السرية لتخزين السلاح أيضاً؟
- أكيد، ولقد عثرت قوات الجيش مؤخراً علي نفق تحت الأرض عبارة عن مخزن كبير للسلاح أثناء
إحدي العمليات الأمنية في منطقة "العجرة" وتم تفجيره.
- عندما يتفاوضون مع صاحب بيت لكي يكون في منزله نفق يستخدم "كمخزن سلاح فقط".. هل
هناك شروط خاصة؟
- نعم، ويقوم علي تحديد بنود هذه الاتفاقات أيضاً "الجماعات التكفيرية في سيناء" لأنها هي التي
ستستخدم هذا السلاح لاحقاً، وأذكر واقعة هنا كانت تتعلق بأحد أصحاب البيوت التي تم اختيارها ليكون
بها نفق كمخزن للسلاح، لكنهم كانوا يشكون في انتماءات صاحب البيت، ونظراً لاعتبارات استراتيجية
تخصهم كانوا يحتاجون هذا الموقع تحديداً، فماذا فعلوا؟ قاموا باختطافه لمدة 37 يوماً بعد أن "عصبوا
له عينيه علشان ما يعرفش هو رايح فين" وتم إخفاؤه في أحد الأماكن الآمنة التابعة لهم لحين الانتهاء
من حفر النفق الخاص بتخزين السلاح دون أن يعرف صاحب البيت، وبعد أن أتموا مهمتهم قالوا له إن
منزله الآن به نفق خاص سيتم استخدامه كمخزن للسلاح وتم إنشاؤه بعمق 3 أدوار، وأعطوه 350
دولاراً عن كل يوم تم اختطافه فيه، بمعني "350 دولاراً في 37 يوماً" كتعويض عن فترة الاختطاف،
وهددوه إذا تكلم سيكون مصيره القتل وكل أفراد عائلته.
- ماذا حدث بعد ذلك؟
- استخدموا هذا الرجل تحت تهديد السلاح في وقت لاحق في تنفيذ عملية نوعية ضد الأمن في شمال
سيناء، حيث قالوا له اذهب وبلغ عن مكان "وهمي" به مخزن سلاح، وحاول استدراج القوات الأمنية
إلي المكان ونحن سنتعامل معهم، وبالفعل ذهب وأبلغ عن المخزن "الوهمي" كطُعم للقيادات الأمنية
لجرهم إلي ذلك المكان الخاطئ وهم سيقومون بتنفيذ عملية إرهابية ضدهم حال وصولهم بعد ذلك، لكن
الله ستر ولم تنجح الخطة واختفي هذا الرجل بعد ذلك تماماً.
- هل هذا المخزن تم تفجيره أيضاً؟
- لا، ولا أحد يعرف مكانه تحديداً، فمن يفتح "تمه" أي فمه، بأي معلومة في الصباح، يخلصوا عليه
وعلي عياله في الليل، فأي شخص يتعاون مع الجيش يسموه "مرتد عن الدين" ويقيمون عليه "الحد"
ويقتلونه، فهم يُسمون الجيش المصري "الجيش المرتد".
- لماذا تم خطف هؤلاء "الناس" إن كان ما تقوله صحيحاً؟
- لأنهم كانوا محسوبين علي حماس ويتبعون لهم في تنفيذ مهام خاصة، و"اتشموا"، يعني اكتشفت
حماس بعد ذلك أنهم بدأوا يتعاملون مع الجيش المصري بعد ثورة 30 يونيو ويقومون بالإرشاد عن
الجماعات التكفيرية في سيناء.
- كم كان يبلغ عدد هؤلاء المخطوفين؟
- 6 أفراد، وحتي اليوم لا يعرف عنهم أحد شيئاً.
- كيف تأكدتم أنهم حماس، وليسوا مجموعة مسلحة تابعة لإحدى الجماعات التكفيرية في سيناء
وأرادت الانتقام منهم؟
- لأننا "عارفينهم"، فوقت الثورة الأولي 25 يناير كانوا يعيشون معنا هنا في سيناء "عادي خالص"
وازداد عددهم في فترة حكم مرسي، وكانوا يأكلون ويشربون ويتحركون بمنتهي الحرية في سيناء ولا
أحد يحاسبهم.
- ما أكثر المشاهد التي فرضت نفسها علي سيناء في فترة حكم مرسي؟
- أن عناصر حماس صاروا يتحركون بكل حرية كأن البلد بلدهم، وانتشر تهريب السلاح بشكل كبير
جداً، لدرجة أن أصغر "عيل" يمكن أن يكون عنده عدة أنواع من الأسلحة، ويقدر يمشي في الشارع
و"يطخ" عادي كأنه يلعب ولا أحد يستطيع مساءلته "إيش بتعمل" أو حتي يتم القبض عليه، لأننا
عرفنا وقتها أنه كان صادر أوامر من مرسي وجماعته بعدم التعامل الأمني معهم، هذا بالإضافة إلي كثرة
"القعدات الشرعية" يعني المجالس الشرعية التي تصدر أحكامها بعيداً عن القانون، وذلك وفقاً لتفسيرها
للشريعة علي مزاجها، وكل واحد أصبح "ماشي بدماغه" أما الأمر الأخطر فهو أن معظم الأنفاق التي
كانت تقوم بتهريب المواد الغذائية تحولت إلي أنفاق لتهريب السلاح بعد أن أصبحت تجارته شائعة
ومسموحاً بها تحت أعين الحكومة ودون حساب وفلوسها "كتير" جداً.
- هل هناك أنفاق للمخدرات أيضاً؟
- نعم، ويتم فيها تهريب الحشيش، البانجو، الأفيون وتسعيرتها أيضاً عالية، فالأنفاق تهرب كل شيء
بكل صراحة.
- هل ستفلح عملية إخلاء الشريط الحدودي من الأنفاق وإقامة منطقة عازلة في إنهاء ظاهرة الأنفاق
وتجارة التهريب في سيناء للأبد؟
- بنسبة معينة ممكن، خاصة أن الشدة الأمنية الأخيرة وفرض حالة الطوارئ قوية للغاية، لكن ستظل
الأنفاق موجودة، لأن الذي يتمكن من حفر نفق علي طول كيلو واثنين كيلومتر، يمكنه حفر أنفاق علي
بعد 5 و10 كيلومترات أيضاً، وهناك بعض الأنفاق في بيوت يصل فيها طول النفق إلي أكثر من 3 كيلو
ونصف، وهي بيوت بعيدة عن الشريط الحدودي وتحديداً في منطقة المزارع. وعلي الرغم من أن المناطق
التي يحفرون بها ستكون فيها "الرمال معاندة" يعني لا تساعدهم علي الحفر بسهولة، سيقومون "
بتسقيفها" بطريقة أقوي من الخرسانة لاستكمال عملهم.
- لكنها لن تكون صالحة لتهريب الإرهابيين والأفراد، بسبب المسافات الطويلة وسوف يتعرضون
للاختناق!
- التكفيريون لا يهمهم شيء وأعرف أن الأنفاق الطويلة لا ينزلون إليها إلا وعلي ظهورهم أنابيب
أكسجين، لأنه في نصف النفق قد يتعرض لحالة "كتم النفس" فكيف سيكمل المسافة؟ وحينما يصلون
إلي نهاية النفق يتركون هذه الأنابيب، حتي يستخدموها في طريق العودة إلي سيناء مرة أخري.
- هناك قرار بشأن عدم منح أصحاب البيوت الذين تضبط في بيوتهم أنفاق أثناء عملية الإخلاء، أي
تعويض، فما رأيك؟
- يستاهلوا، إزاي أعطيه فلوس النهاردة وهو عامل فلوس تكفيه مئات السنين؟ بعض أصحاب هذه
البيوت حصل علي ملايين الدولارات علي مدار السنتين الماضيتين فقط. وإذا كان يستحق من الدولة
500 ألف لأن بيته علي الحدود، فثقوا تماماً أنه عامل "مليار" من تجارة الأنفاق. لا يوجد بيت في
الشريط الحدودي لم يكن فيه نفق من الآخر، فأصغر شاب فيهم لا يتجاوز عمره 18 سنة عنده 3
عربيات أحدث موديل، "من وين إجت هذه الفلوس؟"، كما أن بعض هذه الأنفاق التي علي الشريط
الحدودي اشتغلت في تجارة "الأفارقة"، يعني ما خلوش حاجة إلا واشتغلوا فيها وبعد هذا كله يريدون
تعويض من البلد!
- لكن هناك بعض العائلات فقيرة بالفعل في منطقة رفح؟
- هذه العائلات لا تسكن في الشريط الحدودي بل بالقرب منه ولن يجدوا في منازلهم أنفاقاً.
* ألا تخاف علي نفسك بعد نشر هذه المعلومات؟
- لا، فعلي الرغم من عملي في عمليات التهريب عبر الأنفاق، فإنني أرفض تماماً أن يقتل العساكر
الغلابة دون ذنب في سيناء، نحن اشتغلنا في الأنفاق لأن فيها "أكل عيش" في بلد يعاني الفقر منذ
عشرات السنين ومصادر الرزق فيه قليلة جداً، ثم ماذا تعرفون عني لكي أخاف؟ لا أحد يمكنه أن يعرف
عني شيئاً دون معرفتي أنا شخصياً. وهناك من يحميني تماماً في الوقت المناسب ويجب ألا تنسي
الشروط التي وضعتها قبل إجراء الحوار.