قلقيلية: جرح مفتوح يكشف جنون المجزرة
قلقيلية- ألف- عبد الباسط خلف:
تختزن ذاكرة زياد اليونس سيرة مجزرة قلقيلية ومشاهدها، التي وقعت قبل 55 عاماً. وقتها كان اليونس في السادسة عشرة، حينما شاهد أشلاء جدته ظريفة عبد الرحمن داوود، بعد أن قضت خلال قصف للطائرات الإسرائيلية.
يقول : بدأ أول هجوم على مركز الشرطة مساء 10 تشرين الأول 1956، الساعة العاشرة إلا عشر دقائق، كما عرفت من قائده ابن عمتي سمير المحمود، الذي كان يلقب بـ"الشيخ"، وقبلها بثلاثة أيام كان ورفاقه يشعرون بتحركات واستعدادات إسرائيلية. فراح يحضر "كبسولات" القنابل، ويجهزها للإطلاق من مدفع "الإنيرجا" الذي كان يجيد استخدامه. واستعان بسجناء المركز لنقل القنابل إلى الحنادق التي كانت تحيط به.
ووفق اليونس، فقد سمع الشيخ و ستة من مقاتلي الحرس الوطني معه، حركة غريبة بين بيارات الجوافا، وعرفوا بأنها لليهود، الذين سمعوا كلمة السر بين الشبان، وكانت"مازن"، وبعد وقت قصير، اشتبكوا من جنود الاحتلال الذين كانوا يرددون كلمة"مازن" بلهجة ثقيلة، وقضوا عليهم، وأعادوا انتشارهم إلى الخندق بعد معركة استمرت نصف ساعة.
يضيف: كان ابن عمتي يحمل فرد تنوير، و"ستن"، وكان متدربا ويحمل شهادة ضابط عسكري، وقال له رفاقه:" يا شيخ، أجونا من الغرب، ومن منطقة اسمها" بئر محمود الطه". فحول السلاح عليهم، وبدأ يطلق عليهم النار من مدفعه، وأستص1مروا في القتال نصف ساعة، ثم دخلت المدرعات الإسرائيلية، التي فتحت نيرانها عليهم. وعندها سمع الشيخ رفيقه من حوله يقول له: قتلونا يا شيخ، وقضى أصحابه الستة، فيما زحف هو على الأرض، وخلع كوفيته، واختفى بين قصب السكر، ليشاهد بأم عينه 17 مدرعة تقطع الشارع، وعبثاً حاول إطلاق قنابله عليها، التي لم تؤثر عليها، وبدأ خلفها جنود المشاة يدخلون البلد
يتابع: دخل الإسرائيليون المركز، وحاولوا فتحه بالمتفجرات، دون جدوى، ثم انطلقوا نحو الباب الرئيسي، فأخرجوا الخيول منه، ولم تبق فيه غير فرس واحدة، ودارت اشتباكات بين الجهتين، وقتلوا من فيه من الجنود، حتى موظف السنترال ظل ينقل أخبار ما يجري، حتى دخلوا عليه وقتلوه. ثم وضعوا أكياس "الديناميت" في المبنى وفجروه.
انتقل جنود الاحتلال نحو منطقة صوفين، التي كان فيه مركز حرس الحدود الأردني، وهو الجيش النظامي، وحاولوا احتلاله عن طريق القصف المدفعي، فلم يستطيعوا، وظلت المعركة متواصلة.بحسب اليونس، فقد تابعت المدرعات طريقها نحو النبي إلياس، التي تعرف بـ"المناطير"، وطلب جنودها نجدة من طولكرم، وحينما وصلت إلى عزبة الطبيب، وكانت أربع سيارات عسكرية، قصفتها الطائرات.يقول بحزن يسكن صوته: خرجنا في الصباح، وشاهدنا لحم الجنود معلق على أقفاص السيارات العسكرية، وقد استشهد كل من فيها. وعرفنا أن 48 شهيدا من الجنود و19 مواطنا سقطوا في المجزرة التي استمرت حتى ساعات الصباح.
ينقل اليونس، الذي يرأس جمعية التعاون للتسويق الزراعي اليوم، لأبنائه والجيل الجديد تفاصيل مجزرة العام 1956، حتى لا ننسى جرحنا، ولنعرف أن الجيل السابق دافع عن المدينة، وخرج كل الرجال بالأسلحة والسكاكين وما تيسر لهم من أدوات، لحمايتها.
وكان أرئيل شارون قد ذكر في يومياته كتابه عن المجزرة التي وقف على رأسها، فقال: كان أبي وأمي يشاهدان أضواء المعركة من"كفار ملال" المقابلة من جهة الغرب لمدينة قلقيلية. ويذكر صديقه الضباط "يرمي مندروف" قائد كتيبة الدبابات في تلك المجزرة، الذي قتل مع 18 عشر جنديا فيها.
وقد أقام الاحتلال تذكاراً في منطقة صوفين عقب احتلال قلقيلية عام 1967الى أن أهل المدينة لم يلبثوا إلا أن حطموه بعد أيام.وكان الضابط مندروف واحدة من القصص التي لم ينساها أهل قلقيلية، فقد قتله جندي أردني بآخر رصاصة بقيت معه، بعد أن استشهد جميع رفاقه.غير أن أهالي المدينة لا ينسون "أسطورة" العجوز "إسطبله" الذي حمته رعاية الله، كما يقولون، بعد أن طار مع إحدى قباب السجن، اثر التفجير دون أن يصاب بأذى