حماة الأقصى خارج أسواره
لورين زيداني
البعد عن باحات المسجد الأقصى والصلاة فيه، وحتى الاقتراب من أحد أبوابه، أصبح جزءا من حياة المقدسيين من رواد الحرم المقدسي، من خلال الاعتداء عليهم أولا، ثم اعتقالهم وتغريمهم بكفالات مالية عالية، من خلال سياسة الإبعاد التي يعتمدها الاحتلال الإسرائيلي، التي زادت وتيرتها في الأشهر الأخيرة مع تكرار اقتحامات المتطرفين من المستوطنين للحرم وتدنيسه.
ووفقا لأستاذ القانون الدولي د. حنا عيسى، فالإبعاد يكون في 'طرد المواطن عنوة أو بقوة السلاح من قبل الاحتلال، وإبعاده داخل أو خارج حدود وطنه، وفي حال المسجد الأقصى المبارك المنع التام من الاقتراب من أي من أبوابه مسافة محددة ولفترة معينة'.
وأكد عيسى أن إجراء الإبعاد يعتبر جريمة بحق الإنسانية، استنادا للمادة السابعة الفقرة (د) من نظام روما لسنة 1998، والمادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949.
ويطال الإبعاد أيا من موظفي المسجد أو زائريه، فحسب مدير نادي الأسير في القدس ناصر قوس، وصل عدد المبعدين منذ حادثة قتل الطفل محمد أبو خضير إلى 150 شخصا، نساء وأطفال وشيوخ وحراس للمسجد.
وتتعدد الذرائع التي يسوقها الاحتلال للتنفيذ، بين مضايقة 'الزوار' من المستوطنين المقتحمين للمسجد ومنعهم من الدخول، والتكبير أثناء دخولهم، خاصة أن الشرطة الإسرائيلية تحتجز بطاقات المصلين على الأبواب بشكل احترازي، رغم أن المستوطنين المقتحمين يتعمدون أداء طقوسهم التلمودية، أو استفزاز المصلين والحراس بحركات لا أخلاقية.
عبد الرحمن الشريف أحد حراس المسجد الأقصى، سلّم أمرا بالإبعاد عن المسجد الأقصى المبارك، بعد مشادة بينه وبين أحد حراس نائب الكنيست الإسرائيلية موشيه فيغلين في إحدى مرات الاقتحام، فتعرض للاعتداء الوحشي من أفراد الشرطة المرافقة للوفد المقتحم، وحوّل إلى محكمة الصلح التي تحكم بأوامر الإبعاد، فاتّهم بمضايقة 'الزوار'، وما زاد وضعه تعقيدا وجود أمر سابق بمنعه من دخول المسجد لمدة 15 يوما، فدفع مبلغ 500 شيقل نقدا، ومنع من الاقتراب من أي من بوابات الحرم القدسي رغم بعد منزله في البلدة القديمة بضعة أمتار، علما أن الشريف واحد من أصل 20 حارسا تعرضوا للإبعاد في الفترة الأخيرة لعدة مرات.
تأمين الاقتحامات اليومية للمتطرفين اليهود ومحاولة السيطرة الكاملة على الحرم القدسي الهدف الأبرز، إضافة إلى تكريس سياسة التطهير العرقي، وإبعاد المواطنين عن مدينة القدس لتفريغها من سكانها، ثانيا التأكيد للمقدسيين وغيرهم أن المسجد الأقصى المبارك موقع الهيكل الثالث المزعوم لليهود.
هي قوانين استعلائية لا تستند لأساس صحيح، ولا يوجد قيد لمدة الاعتقال التي تبدأ من أسبوع وحتى 6 أشهر، وتشمل كفالة تبدأ بمبلغ 500 شيقل وحتى 10000 شيقل، كما أن 50 إلى 60 شابا حسب نادي الأسير، لم يدخلوا الأقصى منذ أكثر من سنتين، من خلال تجديد إداري بمجرد انتهاء المدة الأصلية، وكل من يتعرض للإبعاد يحتجز في مركز الشرطة الإسرائيلية، ثم يحول إلى محكمة الصلح التي تصدر القرار الختامي، بتوصية من أجهزة أمن الاحتلال الإسرائيلي.
مدرّسة القرآن والتجويد في المسجد الأقصى خديجة خويف لم تسلم وزميلتاها من الاعتداءات، بعد أن طالبت ببطاقتها، فأرسلت لاستلامها في قسم شرطة الاحتلال، فحصلت على أمر بالإبعاد مدة شهرين من تاريخ 30-10-2014م بحجة مضايقة 'الزائرين' المستوطنين، هو الثاني لتكون واحدة من 10 مرابطات تعرضن للمنع من دخول المسجد الأقصى المبارك في الأشهر الأخيرة.
وحتى الأطفال لم يسلموا، فحسب إحدى الإفادات لمؤسسة الحق التي توثق اعتداءات الاحتلال، فقد أبعد لاعب رياضة 'الباركور' البهلوانية ابن الصف السابع مالك عسلية 3 أسابيع، فكان حسب إفادته أنهى تمارينه وزميله مساء في المسجد، وفي طريق العودة أبعد حجرا كبيرا عند أحد أبواب المسجد من أثر المواجهات الصباحية مع المستوطنين، فأمسك به أحد أفراد الشرطة الإسرائيلية واعتدى عليه وضغط عليه في القسم ليعترف برميه الحجر على مستوطن، وعند رفض الطفل مالك الاعتراف، وقع والده أمر إبعاده.
الإبعاد 12 مرة، الأخيرة منها لمدة سنتين كاملتين، رصيد مدير المسجد الأقصى الشيخ ناجح بكيرات من عقوبات الاحتلال، الذي يرى أن التركيز عليه يعني تشكيل فراغ إداري كونه مدير المسجد، فيعملون على إزالة الصفة الوظيفية للمسجد تمهيدا للسيطرة الكاملة عليه.
المؤسسات المقدسية المعنية توثق وتفضح جرائم المنع من ممارسة العبادة، وتجفيف الأقصى من مصليه وحراسه في وجه المعتدين، نحو فرض وجودهم الكامل فيه، إلا أن الجهود المبذولة مجتمعة لا تكفي لمواجهة سيل التهويد القائم بكثافة ضد المسجد الأقصى المبارك والمدينة المقدسة وأهلها.