قراءة في ديوان "عابرون بثياب خفيفة" للشاعر ناصر رباح- نفوذ البكري
ليتني ماء..ليت لي جرأة السيل...رقة الينبوع...دهشة الشلال..ليت لي فرحة الغيم في التجوال..براءة الندى..هيبة الثلوج...شوقة مطر يعود إلى بيته من سفر..ليت لي خجل الدموع..شهوة المنى..ليتني ماء على أي حال.
تلك القصيدة جاءت من بين قصائد الديوان الجديد الذي أصدره الشاعر ناصر رباح بعنوان عابرون "بثياب خفيفة" الذي اشتمل على أربعين مقطعا تتكامل في شق نثري سردي وزرع حقولا من الألغام والمتفجرات التي تترك الجروح لتختزن تربة الأنهار الخصيبة.
"عابرون بثياب خفيفة " هو الديوان الرابع للشاعر ناصر رباح بعد الركض خلف غزال ميت وسماء على ظهر حصان وواحد من لا أحد.
وخلال ندوة ثقافية نظمتها الرابطة الدولية للإبداع الثقافي لتقديم قراءة نقدية للديوان قال ناهض زقوت ممثل الرابطة الدولية أن الشاعر ناصر رباح جسد الواقع وجذوره الثقافية سواء إن كانت كلاسيكية أو تفعيلية ونثرية.
من جانبه أوضح الكاتب توفيق أبو شومر أنه خلال قراءة الديوان تبين أن الشاعر رباح زرع حقولا من الألغام والمتفجرات ومنها حقل الألغام الأول والمكون من شوارع تاريخية تسكن على ضفافها آيات دينية محفوظة وقرر الشاعر رباح أن يمنحها ألوانا أخرى ويعيد صياغة الآيات من جديد حيث قال : الأولاد سرقوا عهدي القديم
حتى لا أقرأ فيه نشيد الإنشاد
سائلوا إذن على مسمعي سفر موتي وحيدا
وأضاف شومر أنه لم يكتف الشاعر بسفر تكوينه الأول بل إنه يصعد المنبر الشعري ليتلو فاتحته وآياته بلحن مختلف جديد وتقول الكلمات :أصلي لنافذة أصلها قلبي وفرعها في الحنين وأما اللغة فكانت لمساكين يعملون في حديقة..وكان وراءهم ورد وسرور ونبيذ.يوم سنابل أغنيات.. حين تركوا كل هذا واتبعوا أثر القصيدة حتى مطلع الشمس.وقصيدة أخرى تقول كلماتها : مت قليلا أيها الكلام
وهات قبلتي الأولى
أتوكأ عليها وأهش بها على ألمي
أريد النبي الذي كنته أريد النبي الذي خنته
وتابع شومر قائلا :هل كان الشاعر يود أن يطلب حق اللجوء العاطفي من مدينته غزة حين قال في قصيدته :صدرها مفتوح كمدى يبحث عن مداه غزة الآن تقود الإيقاع عما قليل سيأتي بساتنة عميان في ثياب الجنود ليشذبوا أحلامنا حطبا لشتاء طويل.
كما قرر الشاعر ألا يغلق ديوانه دون أن يرسم آخر لوحاته حيث يلهث في آخر الديوان ليضع صورتين وينحت مجموعة من الأمنيات ومنها الصورة الأولى التي أسماها "الرحمة الجالسة " التي يسألها الصغار :متى تكبرين وتمشين مثلنا يا جدتي.والصورة الثانية هي صورة المدينة التي لم تكن مدينة كانت مجازا في أفق الشاعر فيما الأمنيات فهي " ليت لي جرأة السيل...رقة الينبوع...دهشة الشلال..ليت لي فرحة الغيم في التجوال ليتني ماء على أي حال.
كما شارك ناصر رباح بإلقاء العديد من القصائد ومنها القصيدة التي تحمل اسم الديوان وتقول كلماتها..لا لوم لهذا الصباح العابر بلا تفاح وباعة جائلين.بلا أرصفة للمارة ومطاعم على الجانبين.فالمدينة الغارقة في بحر سؤالها عن نفسها لم تكن مدينة.
وفي قصيدة اسحبي الدبابة ناحيتك قال : ثقيلة كلمة دبابة..تدخل القصيدة تفر الطيور وتختفي الأطفال خلف السياج.تدخل المدينة نعصر من غسيلنا رائحة اليود والدخان.مريرة حين أذكرها يختنق الكلام ويغمى علي.كريهة ليس في المخيلة مثلها اسحبيها ناحيتك قليلا كي يتسع المكان لسوق الخضراوات وملعب السلة.
أما عن غزة فكتب :الدم الجالس مل إنتظاره منذ حرب قديمة , هذا الصباح مدد ساقيه على رصيف المدينة , فتعثر بي الدم المرفرف تعلم قراصنة فوق سريري يغمز للورد الذابل إلى جواري وأنا أواصل عد غنائمي , وأهذي :غزة..غزة.