العدوان في حضرة درويش
نداء عوينه
جاء متأخرا... فقد طالت طريقه من نابلس إلى رام الله حيث موعدنا؛ أخره المستوطنون والحاجز، عاش يوما كأيام الفلسطينيين، غير متوقع، ملؤه جمال البلاد، وكله تعب. في حديثه عن زيارته الأولى لفلسطين، لم يخف ولعه بها، فقال بصوت متواضع متعب، 'فلسطين ليست المكان، هي جو الأسطورة. قطعت الجسر غير معترف بالقطيعة، فالبلاد بلاد الشام. استحضرتني دمشق في أحياء نابلس القديمة، سمعت صوت البارود والنار، وصوتا يقربك من رائحة الصابون والزعتر والياسمين. رأيت فلسطين بمنأى عن سياق الصراع، رأيتها بروح النضالات وتداعيات التاريخ'.
كاتب 'العتبات'، الأديب الأردني مفلح العدوان، حلّ ضيفا على متحف محمود درويش ليكون مبدعا في حضرة درويش. كان لقاؤه بـ'وفا' على هامش أمسية أدبية تحدث فيها عن الوطن والمكان ومناجم الفوسفات والقرى والمسرح العربي.
مفلح العدوان هو المستشار الثقافي في البلاط الملكي الأردني، وقائم على مشروع التأسيس لموسوعة القرية الأردنية التي ينشرها أسبوعيا في صحيفة الرأي الأردنية بعنوان 'بوح القرى'.
بدأ حياته مهندسا كيميائيا، ثم أخذه الأدب فكتب عدة مجموعات قصصية، منها موت عزرائيل وظلال القرى وغيرها، وله رواية واحدة هي العتبات، ومسرحيات كثيرة؛ 'المسرح صوتي العالي، هناك أفجر، أثير، أحرك ما لا أستطيع تحريكه في القصة،' قال العدوان، 'كتبت بكثافة للمسرح بعد استراحة من كتابة القصة القصيرة، القصة هي بيتي الحميمي، إلا أنها لا تتسع لحراك الأشخاص، ففي المسرح أشحنها بطاقة توصلها إلى روح الآخر'.
أعاد مفلح العدوان كتابة عدة قصص قصيرة وبث فيهما روحا جديدة، فبدأ بقصة 'نيشع لا يسجد للحبشة' وحولها عام 1997 لمسرحية بعنوان 'ظلال القرى' التي يدور محورها حول صناعة الدكتاتور، وحازت مخرجتها على درجة الماجستير من الجامعة الأمريكية في بيروت عن إخراجها لها، وعرضت في مهرجان المسرح في عمان، ثم في المغرب وفي كييف لمخرجين مختلفين. ثم ألحقها بقصة 'بعد الخلق، قبل النزول' حيث حولها إلى مونودراما بعنوان 'آدم وحيدا'، وكانت بؤرتها الحديث عن خلو الأرض من الإنسانية بسبب الدكتاتورية، والعودة إلى بدء آخر من تداعيات سلسلة الطغيان التي تكبل الحياة في الأرض.
إلا أن الحركة المسرحية العربية تمر حاليا بمأزق؛ فمن تحدي تهميشها أمام السينما والدراما المتلفزة، إلى موجة الأيديولوجيات المحافظة التي تجتاح الوطن العربي يجد المسرحيون العرب أنفسهم أمام خطر تنحيهم وتهميشهم تماما، تحديدا في ظل إلغاء بعض المهرجانات المسرحية. 'لقد تم إلغاء مهرجان المسرح التجريبي في عمان، وإيقاف مهرجان قرطاج للمسرح مرحليا،' قال العدوان، 'إن الخطر المحدق هو في تجييش مجتمعات كاملة للرجعية ومصادرة مستوى الوعي ومستوى الثقافة فيها وإرجاعه للمحافظة الوهمية وليس لقيم المحافظة النبيلة'.
ما العمل إذا؟
إجابته كانت واضحة وصريحة: 'ما نحتاجه هو ثورة حقيقة، ربيع عربي ثقافي، يقف في وجه الفتاوى وعداء التجديد وكبت الخيال. علينا إعادة المهرجانات المسرحية ودعم الفنانين والإنتاج حتى لا يتناقض العمل المسرحي مع أكل العيش، وعلينا العودة للمسرح بقوة في سياق غير تنظيري، بل عملي إبداعي يقول كلمته مباشرة، فنستطيع مثلا اللجوء لإنتاج أعمال مسرحية قليلة التكلفة كمسرح الشارع، أو دمج جهود بعض الفرق المسرحية حتى يتسنى لنا الإنتاج المسرحي دون اللجوء للعمل التجاري المبهرج'.
'علينا العمل للنهوض بالمسرح وليس النضال لبقائه فحسب، كتابة وإخراجا وإنتاجا وتمثيلا، حتى يبعث المسرح العربي من جديد بدوره التنويري التنموي الثقافي، ليقوم بإيصال الرسالة الإنسانية للمجتمع المكبل، الذي صودرت حرياته وإبداعاته تحت ضغط الدعوات الظلامية'.