مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم    شهيد و3 جرحى في قصف الاحتلال وسط بيروت    أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية مجازر غزة وبيت لاهيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 43,846 والإصابات إلى 103,740 منذ بدء العدوان    الاحتلال يحكم بالسجن وغرامة مالية بحق الزميلة رشا حرز الله    اللجنة الاستشارية للأونروا تبدأ أعمالها غدا وسط تحذيرات دولية من مخاطر تشريعات الاحتلال    الاحتلال ينذر بإخلاء 15 بلدة في جنوب لبنان    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات  

شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات

الآن

ماهر ناجي صقلته سانت بطرسبورغ فأبدع رسم غزة

يامن نوباني

في زقاق من أزقة مخيم جباليا شمال قطاع غزة، وفي صبيحة الرابع والعشرين من تشرين الثاني 1963 ولد ماهر ناجي، لعائلة مُهجرة من قرية السوافير الشمالي قضاء أسدود الساحلية.

يقضي ماهر الـ19 عاما الأولى من حياته في المخيم، قبل أن يطير لفضاء رحب، إلى سانت بطرسبورغ، عاصمة السياحة والفنون والثقافة في روسيا، المدينة التي أسسها القيصر الأول كنافذة مطلة على أوروبا، وحيث متحف الارميتاج، الذي تعيش فيه 3 ملايين لوحة وتحفة فنيه، في خمس مبان على نهر نيفا الروسي.

في العام 1983 التحق ناجي بأكاديمية الفنون 'بارون شتيغلز'، ليعود إلى غزة في العام 1994 حاملا الدكتوراه في العمارة العربية، وفي أثناء دراسته التقى الطالبة الأوكرانية ايرينا، التي ستصبح زوجته في ما بعد، صاحبة الأنامل المبدعة في الرسم، فشكلا ثنائيا يحترف التعبير عبر الريشة، وأقاما عدة معارض في روسيا.

يروي ناجي بداياته في الرسم بقصة طريفة: 'من صغري وأنا متعلق بالسينما، كانت تعطيني على ما يبدو غذاء روحيا، فأعود إلى البيت ممتلئا ومشحونا بالمشاعر، وأقوم خلسة بسرقة 'الزهرة' وهي عبارة عن بودرة زرقاء اللون كانت أمي تستخدمها في غسيل الملابس البيضاء لتعطيها نصاعة. أسطو على زهرة أمي وأذيبها بالماء وأقوم برسم شخوص الأفلام، أتبعها بتعليقات على الفيلم على الجدار الخارجي للمنزل، ولكن المضحك الآن والمبكي في حينه، حفلة التأنيب والتأديب التي تجري لي من قبل الوالدة'.

وعن مشاعره حين يبدأ الرسم، وحين ينهيه، يقول ناجي: إن المشاعر تتباين، أحيانا أشعر بسعادة غامرة لأني قلت ما أردت عبر الخطوط ومساحات اللون، وأحيانا أشعر بالحزن وكأن العمل الفني بنيت بيني وبينه علاقة غرامية وهي قريبا ستنتهي. هذا الشعور أحيانا يدفعني للتوقف عن العمل وعدم إنهائه وهذه حقيقة، وتحاورنا أنا ورفيقتي ايرينا بهذا الخصوص وطبعا هي تأخذ دور الناصح والمربي في هذا السياق .

ناجي لا ينسى تفاصيله قبل أكثر من ثلاثين عاما في سانت بطرسبورغ، التي عاش أجواءها وأحياءها وفنها وأناسها عشرة أعوام كاملة، يختصر المدينة بالقول: سانت بطرسبورغ هي الوجع والمرض. عمليا تم بناء شخصيتي الثقافية في هذه المدينة، وصلت الأكاديمية وأنا لم أتجاوز التاسعة عشرة من عمري. بطرسبورغ لها خصائص لا تجدها بأي مدينة أخرى بالعالم، تجد شاعرية المكان والتاريخ تأسرك وتستبد بك، تسير في شوارعها فتشعر وكأن بطرس الأكبر يطل عليك من أحد القصور، أو لنقل أن بوشكين يسير معك للقاء إحدى عشيقاته. أذكر أثناء كتابتي لرسالة الدكتوراه كانت مدرستي وصديقتي، وهي امرأة تجاوزت السبعين من العمر وهي من بطرسبورغ أصلا، كانت تعيد صياغة الجمل والفقرات باللغة الروسية حيث كانت مختصة في علم 'الفيلولوجيا' إحدى فروع علوم اللغة، قالت لي: ماهر عندما ستترك لينينغراد سوف تشعر أن جزءا كبير انتزع منك، لأن بطرسبورغ عشقها والشوق لها حالة مرضية.. وأنا الآن أدرك حقيقة معنى كلامها.

شارك ناجي بمعارض جماعية مع زملائه الطلبة وانتهى الأمر بإقامة معرض ثنائي مع زميلته وزوجته فيما بعد الفنانة ايرينا وكان المعرض بعنوان 'تخيل الشرق'، وبعد العودة إلى فلسطين كان نشاطه الأول معرضا ثلاثيا ضم لوحات ناجي وايرينا وصديقه فتحي غبن، ثم تتالت بعد ذلك المشاركات المحلية والعربية والدولية، وكان آخرها معرض 'يوميات حياتنا هنا في غزة' في العاصمة الأردنية عمّان في الثاني من كانون الأول الجاري.

ناجي يحضر الآن لمعرض في كانون الثاني 2015 بمركز خليل السكاكيني تحت عنوان 'الربيع الأزرق' ومعارض أخرى جاري التحضير لها في أبو ظبي وغاليري الزاوية في رام الله، ودعوات للمشاركة في معارض أوروبية.

فيما يتعلق بتفاعل المشاهدين والمطلعين مع أعمال ناجي، يرى أن هناك إقبال واهتمام بها، لأنها تأتي في إطار تقنيات خاصة. لم يحظ بتكريم محلي أو عربي أو دولي، ولا ينظر إلى قضايا التكريم بقدر ما يعتني بتطوير ذاته وتقديم الأفضل في السياق التشكيلي. ويشير ناجي إلى أن شعراء من صربيا وإسبانيا استخدموا أعماله ورسوماته في قصائدهم، وآخرون كتبوا القصائد من وحيها.

وحول أجمل لوحاته وأقربها لقلبه، يقول ناجي: أجمل قصة لعمل يسمى 'حنبعل' القائد القرطاجي العظيم، أعتبر نفسي من الأشخاص المطالعين للكتب، ولدي اهتمام بها، وفي إحدى المرات وأثناء قراءتي عن حنبعل دفعني اهتمامي للتوغل بالبحث والتقصي عنه لدرجة أنني شاهدت أكثر من عشرة أفلام تتحدث عن حياته، وهذا كله كان تحضيرا للعمل، فكنت أحيانا أعيد العبارات وشكل الحركات التي كان يؤديها. كنت أريد أن أتقمص شخصيته حتى أنقل العمل بشكل أفضل وأكثر حيوية، حتى أن ايرينا والأولاد أيضا اهتموا بالموضوع لدرجة أنهم شاركوني مقاطع من التمثيل، فكان شيئا مضحكا وجميلا في آن واحد.

وعن غزة مسقط رأسه، يتحدث ناجي عن الحنين والانتماء للمدينة التي لا تكف العناد، عناد رفض موتها وإعلانها للحياة. وقال: في إحدى الزيارات إلى المملكة المغربية حيث كنت أمثل فلسطين في مؤتمر للفن التشكيلي، كانت تشغلني طريقة العودة، عبر معبر رفح البري وكان الوقت فجرا والأجواء ماطرة. أذكر تلك اللحظة عندما انتقلنا من الجانب المصري ودخلنا الجانب الفلسطيني، لا أدري إن كانت حقيقة أم شعور عاطفي حيث شعرت أن الهواء تغير مذاقه والدموع انهمرت من عيني لا إراديا، هذا هو الوطن. غزة فلسفة لا يدركها إلا المجانين، عالم متكامل من الحب والموت والسلام والحرب، بيئة خصبة لكل ما تريد.

لم ينجُ ناجي من العدوان الأخير على غزة، والذي استمر 50 يوما، وكان أعنف عدوان تتعرض له غزة، يصف ناجي ذلك: كانت الحرب الأخيرة من أقسى الحروب التي شاهدتها، وبيتنا تم قصفه بعد إخلائه، ولكن ليست المشكلة في بيتنا بقدر الشعور الغريب الذي يراودك أثناء الحرب والقصف، حيث تشعر وكأنك في فضاء مكشوف، غير قادر على الاحتماء بشيء، كل شيء قابل للانفجار والموت في أي لحظة.. وتذكرت درويش وكم كانت مشاعره صادقة عندما وصف حرب 1982 أثناء اجتياح بيروت. لقد أصبت بصدمة بعد وأثناء الحرب. لم أستطع العمل ولا التعبير إلا بعد فترة طويلة، لقد كان هول الصدمة وحجم الدمار والقتل أكبر من أن أعبر عنه، لكن بعد فترة استطعت استعادة ذاتي، وأول ما قمت به عمل لبيت فنان تم قصفه.

ريشتان، فلسطينية وأوكرانية بذائقة فلسطينية، تلتقيان، فتبدعان، ماهر وايرينا، الصديقان أيام الدراسة، القريبان والمتحابان فنيا وإحساسا، الزوجان في نهاية المطاف، يصفها ناجي: ايرينا فنانة متمكنة فنيا لديها مزيج ممتع تشعر بنرجسية وشاعرية بطرسبورغ وصخب الشرق في أعمالها، هذا التمازج أعطى أعمالها نكهة خاصة، هي صديقتي ورفيقتي وحبيبتي وزوجتي وهي من يقف بجانبي في كل الظروف، أشعر من أعمالها أنها تؤسس لما يمكن تسميته 'الرومانسية الفلسطينية' في الفن التشكيلي الفلسطيني.

غزة التي يرسم فيها الفنانون أعمالها على الجدران وفي الشوارع، ليبقى الأمل، يرسمون شمسا وبندقية، ووردة. يعتبر ناجي أن الحالة التشكيلية الفلسطينية حالة غنية بنتاجها وبفنانيها، هذه الحالة لم تتوقف يوما عن الإبداع، سواء في ظروف الحرب أو في حال السلم. قد تكون الظروف في غزة أكثر صعوبة من حيث التواصل مع العالم بالنسبة للفنانين، ولكن ظروف غزة هي أيضا من تصنع وتمهد للإبداع. هناك حالات مهمة من الإبداع لكنها بحاجة إلى التطوير والاهتمام .

وتبقى المرأة في الفن، الملهمة الأولى، وفي أحيان كثيرة كانت سببا لشهرة أعظم الفنانين التشكيليين، بعدما رسموا المرأة بدقة وإحساس عاليين، وحول المرأة في فنه وأعماله يقول ناجي: المرأة أخذت حيزا كبيرا من أعمالي، قد يكون ارتباطي بالمرأة في المفهوم الأعم 'الأم الوطن' هو ما يدفعني للبحث عنها في كل حالاتها، وقد أكون مبهورا بجمالياتها الروحية والجسدية، مهما يكن، المرأة حالة محركة للإبداع لا تستطيع التغاضي عن وجودها روحا وجسدا، المرأة حارسة بقائنا الأبدي، ومن خلالها تستمر الحياة بكل تفاصيلها.

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024