المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان يثمن طرح الحكومة السويسرية لعقد مؤتمر بشأن فلسطين
يرحب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بالجهود التي تبذلها الحكومة السويسرية لحث الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة على عقد مؤتمر في هذه المرحلة الحرجة بالنسبة للشعب الفلسطيني.
يعطي هذا المؤتمر فرصة للأطراف السامية للوفاء بالتزاماتها المتعلقة بـ "ضمان احترام" اتفاقيات جنيف في كل الظروف والاضطلاع بواجباتها القانونية الواردة في المادة 1 من الاتفاقية. يجب عقد هذا المؤتمر المقترح على أن يخلص إلى مجموعة من الخطوات العملية اللازمة لضمان امتثال إسرائيل للقانون الإنساني الدولي جنباً إلى جنب مع تفعيل التدابير اللازمة لضمان تطبيق إسرائيل للاتفاقية بشكل قانوني وضمان مساءلتها.
يوفر القانون الإنساني الدولي، ولاسيما اتفاقية جنيف الرابعة، حماية للسكان المدنيين بشكل خاص وواضح، ولكن حتى هذه اللحظة لم تتم مساءلة إسرائيل بشأن الانتهاكات المنظمة للقانون الدولي في الأرض الفلسطينية المحتلة. وفق ما جاء به تقرير غولدستون عام 2009، "لقد خلقت حالة الإفلات من العقاب أزمة على مستوى العدالة في الأرض الفلسطينية المحتلة، الأمر الذي يسوغ ممارسات إسرائيل." وقد أدى ذلك إلى خلق دائرة عنف متنامية، الأمر الذي بدا جلياً في العدوان الأخير على قطاع غزة المسمى "عملية الجرف الصامد"، والذي أدى إلى مقتل 2193 شخصاً، من بينهم 1682 مدنياً.
من الواضح أنه إذا تم احترام القانون، فلابد من تطبيقه. لقد فشلت المؤتمرات السابقة التي عقدتها الأطراف السامية المتعاقدة عامي 1999 و 2001 في التوصل إلى نتائج جدية. في المقابل، تم تفضيل الاعتبارات والتسويات السياسية على التطبيق العادل للقانون مع السعي لتحقيق "عملية سلام" هي بعيدة المنال ومطروحة كعقبة أمام السعي لتحقيق العدالة. والآن لا يجد الشعب الفلسطيني سلاماً ولا عدالة.
يجب أن يخرج هذا المؤتمر بنتائج تقود إلى حراك سياسي على مستوى المعارضة وأن تقوم كافة الأطراف السامية المتعاقدة بالوفاء بالتزامها القانوني والذي ينص على ضمان احترام قوانين النزاع المسلح ومتابعة المساءلة في حال تم انتهاك هذه القوانين. يجب على المؤتمر أن يخرج أيضاً بنتائج واضحة تهدف إلى ضمان احترام القانون الدولي وتوفير الحماية للسكان المدنيين. إن الفشل في تحقيق ذلك، سيتسبب في حرمان الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية وتقويض جدوى وقيمة القانون الدولي.
سيتناول المؤتمر الأخير والمزمع عقده في السابع عشر من ديسمبر في جنيف الأوضاع في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، وهي قضايا في غاية الأهمية، لاسيما عقب الأحداث التي وقعت في الصيف الماضي، حيث ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية على نطاق واسع وغير مسبوق فيما يتعلق بعدد القتلى والجرحى وتدمير الممتلكات المدنية في الأرض الفلسطينية المحتلة.
يشكل الحصار الإسرائيلي الخانق وغير القانوني المفروض على قطاع غزة منذ سبعة أعوام مأساة كارثية من صنع الإنسان، الأمر الذي تسبب في إحداث معاناة كبيرة حيث يعيش 90% من سكان القطاع تحت خط الفقر ويعتمد 80% من سكان القطاع أيضاً على المساعدات الغذائية التي تقدمها الأمم المتحدة، فيما يعاني 60% من القوى العاملة إما بسبب عدم تلقيهم رواتبهم أو بسبب البطالة. وفقاً للجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن الحصار "يشكل عقاباً جماعياً في انتهاك واضح لالتزامات إسرائيل بموجب القانون الإنساني الدولي، والمادة 43 من قواعد لاهاي، والمواد 33، 55 و56 من اتفاقية جنيف الرابعة، وغيرها من المواد.
شنت إسرائيل ثالث عدوان لها على قطاع غزة خلال 6 سنوات، وهو عدوان واسع وغير مسبوق استهدف المدنيين والأعيان المدنية بشكل أساسي. قامت القوات الإسرائيلية بمسح أحياء بكاملها في منطقة الشجاعية وبيت حانون والزنة وخزاعة، كما أُبيدت عائلات بأكملها. علاوة على ذلك، استهدفت قوات الاحتلال مدارس كانت تستخدم كمراكز إيواء ومستشفيات ومنازل ومحطة الكهرباء ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي ومخازن للمياه. كما هوجمت الطواقم الصحية والصحفية وطواقم الاسعاف. أدى العدوان الذي استهدف منطقة محاصرة يعاني نصف سكانها من الفقر إلى مقتل 2,193 وإصابة 10,895 وتهجير 540,000 شخص ما يزال أكثر من 110,000 شخص منهم بلا مأوى بسبب تدمير منازلهم. ثلاثة أشهر مرت على انتهاء العدوان وما يزال الحصار قائماً بحيث تمت "مأسسته"، مما أدى إلى عرقلة عملية الإعمار وعرقلة عمل حكومة التوافق وبالتالي أصبح الوضع في قطاع غزة كارثي بحق.
بعد مرور 47 عاماً على احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وهو أطول احتلال في التاريخ المعاصر، ما زالت إسرائيل تمارس سياسة التطهير العرقي والاستعمار في القدس والضفة الغربية من خلال نشاط استيطاني مكثف في الضفة الغربية وضم وتهويد القدس الشرقية. يتعرض الفلسطينيون في المسجد الأقصى لقيود مستمرة واعتداءات بشكل شبه يومي. يمكن القول بأن الأرض الفلسطينية المحتلة تشهد نظام فصل عنصري لا سابق له. على الرغم من عدم قانونية الممارسات الإسرائيلية وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة، لم يتخذ المجتمع الدولي أية إجراءات فعلية لتفعيل سيادة لقانون.
لطالما سلط المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان الضوء على تدهور أوضاع حقوق الإنسان والوضع الإنساني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما كان له الدور الأساسي مرتين في عقد مؤتمر الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة لضمان احترام اسرائيل للاتفاقية وامتثالها للقانون الدولي كقوة محتلة.
لقد أكد تاريخ الاحتلال على أن استمرار اسرائيل بالتصرف كدولة فوق القانون سيؤدي إلى استمرار خرقها للقانون الدولي. ما يزال المدنيون الفلسطينيون الأبرياء، وهم "الأشخاص المحميين" بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، يدفعون ثمن إفلات إسرائيل من العقاب، وهي النتيجة المتوقعة لكل من اللامبالاة والنفعية السياسية التي يصطبغ بها المجتمع الدولي.
يطالب المركز الفلسطيني لحقوق الانسان بإنهاء محاولات إسرائيل وحلفائها لحرف مسار العدالة للشعب الفلسطيني من خلال ممارسة الضغوط السياسية وفرض عقبات أمام تحقيق العدالة. رفضت إسرائيل مؤخراً دخول بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق التي عينها مجلس حقوق الإنسان إلى غزة. كان من المفترض أن يقوم فريق الأمم المتحدة بفتح تحقيقات في "انتهاكات القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية و قطاع غزة المحتل في إطار العمليات العسكرية التي بدأت منذ منتصف شهر يونيو."
يمنح مؤتمر الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة الذي عقدته سويسرا فرصة ثمينة لتطوير القانون الإنساني الدولي وضمان قدرته على حماية الأفراد اللازم حمايتهم، والذين فشل القانون في حمايتهم حتى الآن في الحالة الفلسطينية.
لا معنى لقانون لا ينطبق على الجميع بلا تمييز. يحتاج الفلسطينيون العدالة والكرامة لا شريعة الغاب. نأمل أن تلتزم الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة بكافة التزاماتها بموجب المادة 1 من الاتفاقية.