يوميات اسير .. الاسير خالد شبانة: لسنا مجرد ارقام او حسابات بنوك .. نحن بحاجة الى خفقات قلوب
سراب عوض- مليئة هي سجون الاحتلال بقصص وحكايات الأسرى الذين طال اعتقالهم، ولا يدري أحد متى سيتنسمون هواء الحرية. فلكل منهم قصة تختلف في التفاصيل، لكن جذرها واحد، وهو عشق الوطن وتحمل كل صنوف العذاب من أجل حرية هذا الوطن.
ومن بين هؤلاء الاسرى، الاسير خالد عبد الرحمن شبانة (36 عاماً)، والمحكوم بالسجن مدى الحياة، قضى منها أربعة عشر عاماً. حيث اعتقل في التاسع والعشرين من كانون الأول من العام 2000، بتهمة اطلاق نار على مستوطنين، ومقتل اربعة منهم فيها.
يقول الاسير شبانة: "تبدأ رحلة العذاب للأسير الفلسطيني منذ اللحظة الاولى من اعتقاله، حيث يأتي عشرات الجنود لنقل الاسير من بيته وجره عبر الشارع، الى المركبات العسكرية، قبل ان يزج به في احدى زنازين التحقيق، ايذانا ببدء عملية الاعتقال، الذي يبدأ بتعصيب العينين وينتهي بالتعذيب النفسي والجسدي".
يتذكر خالد بعض المشاهد المؤلمة التي مرت عليه، فيقول: "بعد أن حُكمَ علي بالسجن المؤبد، طَلَبت زوجتي الطلاق. كان الأمر بالنسبة لأسرة زوجتي، هو انسداد تام لأفق الحياة، نزلت عند رغبتهم وأجريت من خلال المحامي، عملية المفارقة بالمعروف".
ويتابع: " الزوج الأسير يحلم كغيره بأن يكون أبا، فيما زوجته تحلم بالأمومة، فماذا يفعل أسير فرّقه السجن عن زوجته بعد مضي أشهر قليلة من ارتباطه بها، وحالت قضبان السجن دون تحقيق حلمه في تكوين أسرة يزينها "البنون".
ويستطرد خالد قائلاً:"لكنني أعتبر ما حدث حقا طبيعيا للمرأة التي ارتبطت بها طليقاً، وعجزت عن التواصل معها أسيراً. إنني الآن، أتمنى لها السعادة والهناء وربما لو كنت مكانها لفعلت ما فَعَلَتْ".
ويستذكر الأسير خالد شبانة: "ما أصعب الفراق عن شخص عزيز، حجبته عنك جدران السجون، فهذا ما حدث عندما استشهد شقيقي محمود دون أن أراه، بتاريخ 14/10/2010، حينها كان وقع الخبر علي كالصاعقة، لاسيما وأنني لم أتمكن من رؤيته منذ مدة طويلة، ولم أتمكن من وداعه".
الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال، يعيشون أوضاعاً استثنائية في صعوبتها من الناحية الصحية، فهم يتعرضون إلى أساليب تعذيب جسدي ونفسي ممنهجة، تؤدي حتماً لإضعاف أجساد الكثيرين منهم، كالحرمان من الرعاية الطبية الحقيقية، والمماطلة في تقديم العلاج للأسرى المرضى والمصابين، وفي أساليب القهر والإذلال والضغوط النفسية التي دأبت عليها طواقم الاعتقال والتحقيق. فالسجانون يجعلون المعتقلات ساحات حرب سهلة بالنسبة لهم، ليلحقوا اسوأ انواع الأذى بالأسير.
وحول هذا الموضوع يتذكر خالد رفيقه الشهيد الأسير شادي السعايدة، الذي ارتقى في العام 2008 وكانت بداية مرضه حينما شعر بدوران في رأسه، فأعطي حقنة بـ "الخطأ" حسب رواية الاحتلال، وهي في الواقع لم تكن بالخطأ. فالقائمون على السجن، تعمدوا قتله، فهو محكوم بخمسة مؤبدات، على خلفية عملية "عين عريك" الفدائية التي قُتل فيها خمسة جنود اسرائيليين.
يتذكر خالد رفيقه وليد عمرو الذي استشهد في 25/2/2003 نتيجة الإهمال الطبي الذي تعرض له، وعدم اعطائه العلاج المناسب، حيث كان يعاني من أزمة صدرية حادة، ولم توفر له مصلحة السجون علاجاً بالحد الأدنى، فاستشهد اثر نوبة قلبية عن عمر 38 عاماً.
وفي ختام حديثه وجه الاسير شبانة رسالة الى ابناء شعبه حيث قال، نحن لسنا مجرد أرقام أو حسابات بنوك، تُلبى حاجاتنا للتزود بضرورات من مقصف السجن، نحن بحاجة الى خفقات القلوب، والى تواصل الروح الفلسطينية معنا، مكثفة ومنقولة، من خلال من ينوبون عن هذا الشعب الذي ضحينا من أجله. إنها واجبات تتضمن التواصل الإنساني معنا، المنزّه عن المسألة المادية، وزيارة أسرنا، وتجاذب أطرف الحديث معها. فالأسر الفلسطينية التي تعيش بجوارحها مع أبنائها الأسرى، في حاجة هي الأخرى الى الإحساس بأنها مقدرة، وأنها جزء من حالة وجدانية شعبية. فنحن الأسرى المحكومين بالمؤبدات، مشاريع شهادة، ومثلما يُكرّم الشهيد، يُكرم الأسير. وقلوبنا التي تخفق مع كل حدث في وطننا، تحتاج بالفطرة الى من يتواصل معها ومع أسرها، على الصعيد الوجداني.