'لأنه ياسر عرفات'
يامن نوباني
لماذا قُمتن برسم ياسر عرفات؟ كان السؤال الأول لطالبات قسم الفنون الجميلة والتصميم الجرافيكي، في كلية فلسطين التقنية للبنات في رام الله، فيأتي الجواب سريعا من إحداهن: 'لأنه ياسر عرفات'.
لم يكن عرفات يوماً حقاً للبندقية فقط أو الأغنية الثورية، ولا كان حِكراً على تنظيم أو فصيل معيّن، الأب والقائد كما يراه كل فلسطيني، نختلف معه لكننا لا نختلف عليه.
عرفات للشعب الفلسطيني كله، هكذا قالت طالبة حين وقفت أمام لوحتها لتروي قصة اختيارها لصورة عرفات بكوفية ممتدة أطرافها، فكادت تُغطي كتفيه بأكملهما.
عشرون لوحة 'بورتريه' في ممرات قسم الفنون الجميلة في كلية فلسطين التقنية.. تستوقفك اللوحة الأولى، تشرد بملامحها، تسير للوحة الثانية، تشرد بها، وقبل أن تخطو نحو اللوحة الثالثة، تُعيدك قدماك للوحة الأولى، وكأنك لم تشبع بعد من الفن والعمق والمهارة والبطولة.
عرفات بكامل تفاصيله، طريقته في تصويب الكوفية وتشكيلها بما يشبه الصقر، البسمة الممتلئة بأمل العودة، شارة النصر التي لم تهبط يوماً من علوها الشاهق، غصن الزيتون الأخضر، اليد التي صافحت الأطفال والزهرات والشيوخ والصبايا والشباب والشهداء والأسرى والجرحى، اليد التي صافحت فلسطين كلها.
شخصية عرفات التي تستفز أصابع الفنانين والهواة لرسمها، استفزازا بصيغة الإبداع والمعنى الإيجابي.
بشار الحروب، مشرف المعرض والمحاضر في قسم الفنون الجميلة والتصميم الجرافيكي، اعتبر أن مرور حياة عرفات بأحداث مفصلية في مسيرة التحرر الفلسطيني، ووجوده دائما على رأس قرارات هامة في الحرب والسلم، كان له الأثر في صقل كاريزما 'الختيار'، وجعل هذه الشخصية تأخذ أبعادا إقليمية وعالمية، وتصبح قدوة لقادة في كثير من دول العالم، وخاصة تلك التي وقعت شعوبها ضحية للاستعمار والاحتلال، مشيراً إلى أن عرفات رمزية وطنية عابرة لحدود التنظيمات والدول، فهو أيقونة عالمية ثورية تحررية.
وأكد الحروب على، دور الصورة، سواء كانت بالرسم أو بالتصوير أو أي تقنية أخرى، في المساهمة بالتعبير عن القضايا السياسية والوطنية. 'الصورة هوية وثقافة، تؤدي دروا جماليا ورسالة، عبر الأفكار التي ترسمها وتشير إليها'.
وبين الحروب أن الفلسطيني بحاجة لكل الوسائل المتاحة ليوصل صوته، وأن الصورة في زمن التطور والتسارع التكنولوجي هي الأسرع وصولاً وصدقاً.
منار طعم الله، طالبة مشاركة في المعرض، أبدت فخرها بإتمامها رسم الشهيد ياسر عرفات، وقالت: اخترت الصورة التي تبين عدم تفريط ياسر عرفات بخيار السلم، اخترت الصورة التي حمل فيها غصن الزيتون الأخضر، يوم قال في الأمم المتحدة: 'لا تسقطوا غصن الزيتون الأخضر من يدي'، هو رجل السلم ورجل الحرب.
واختارت الطالبة حنين العجولي، رسم وجه عرفات لحظة تعب وهم، وقالت: اخترت نظراته الممتلئة بالحزن والمتعبة. كان يسهر طويلا لأجل شعبه المحاصر والمحتل، ويسافر لبلاد بعيدة من أجل الحصول على دعم ومساندة لقضيته، اخترته حزينا لأوصل للعالم أن عرفات عانى ما لم يعانه أي رئيس دولة في العالم.
مريم معالي، التي لا تنتمي لفصيل معين، كانت محايدة في الرسم، ترى في ياسر عرفات الرجل الذي أفنى عمره بأكمله في سبيل حرية شعبه، 'ولهذا يستحق أن نتذكره بكل الوسائل والطرق، حتى أبسطها وهي الرسم'.
وأضافت: 'اخترت رسم عرفات وهو يرفع شارة النصر، فقد كانت أكثر حركاته حيوية وأملا وشجاعة في وجه كل الظروف والمحن'.
تم رسم ياسر عرفات شابا، ومقاتلا، وحزينا مهموما، ومتعبا، وثائرا، والمسالم، ومتأملا، ومُحاصِرا ومُحاصَرا، وقائدا فلسطينيا وعربيا وأممي، ورسمنه الشهيد المنتصر.