بحث جديد: تغييب منهجي للغة والثقافة العربيتين في الجامعات الإسرائيلية
رصد بحث أعدته جمعية دعم المساواة المدنية في إسرائيل 'سيكوي'، التغييب المنهجي للغة والثقافة العربيتين عن الحياة الأكاديمية في الجامعات الإسرائيلية، وانعكاسات ذلك على مصاعب التعليم العالي واستيعابه للطالب العربي، ما يؤدي إلى شعور بالاغتراب الثقافي والاجتماعي وانعدام المساواة.
وصدر البحث المعنون بـ' حاضرتان غائبتان'، في الآونة الأخيرة باللغات الثلاث عربية، عبرية، وإنجليزية، وتم إعداده على شرف 'اليوم العالمي للغة العربية'، الذي صادف الثامن عشر من كانون الأول من كل عام،
وبالتعاون مع 'دراسات- المركز العربي للحقوق والسياسات'، ومعهد 'فان لير'.
وتضمن البحث استقصاء للوضع القائم في أربع جامعات بحثية في إسرائيل، تمّ اختيارها لأهميتها ومركزيتها على الساحة الأكاديمية الإسرائيلية، وهي: جامعة حيفا، جامعة بن غوريون- بئر السبع، جامعة تل أبيب، والجامعة العبرية في القدس.
ووفق ما تبين من ملخص هذا التقرير التنفيذي، اختار مُكوّنيْن يحملان معنى كبيرا في خلق الشعور بالإنتماء لدى الطلبة العرب الفلسطينيين إلى الحيّز الأكاديمي في إسرائيل: الأول حضور اللغة العربية ومكانتها داخل الحرم الجامعي، والثانية هي المكانة المعطاة للثقافة العربية الفلسطينية داخل كلّ واحدة من المؤسسات الأكاديمية التي تم الدراسة فيها.
وأشار التقرير إلى وجود تقويمات سنوية 'روزنامات'، ودفاتر يوميات، تشمل: أعياد ومناسبات المجتمع العربي الفلسطيني، وإستعمال عناصر من الثقافة العربية في الإحتفالات الرسمية، وفي أنشطة نقابة الطلاب، وتمثيل الثقافة العربية الفلسطينية في أروقة الحرم الجامعي، من خلال الوسائل المرئية المختلفة (صور، تماثيل وغيرها)، وإحياء الأعياد والمناسبات الخاصة بالمجتمع العربي الفلسطيني، عن طريق احتفالات تُنظّم في محيط الحرم الجامعي.
وعن الحضور اللغوي، تم خلال عملية الرصد فحص وجود استمارات رسمية بالعربية، ومناقصات عمل بالعربية؛ ومنشورات وأبحاث باللغة العربية، ولغات اللافتات في مرافق المؤسسة، وتوفر دروس تعزيز بالعربية للمواضيع المدرَّسة؛ ووجود دورات ومحاضرات بالعربية أو دورات ثنائية اللغة، وتوفر اللغة العربية في المجال المرئي من المساكن، والمراكز الرياضية، ومراكز الطلبة.
كما واعتمد البحث على الوسائل التالية: إجراء مقابلات مع طلبة ومحاضرين عرب فلسطينيين ويهود، واستعراض المواقع الإلكترونية، وصفحات التواصل الاجتماعي 'الفيس بوك'، ووسائل الميديا الجديدة الأخرى لدى كلّ واحدة من الجامعات المفحوصة، والقيام بمراقبة منهجية وتسجيل التمثيلات الظاهرة في الحيز، والمتعلقة باللغة والثقافة العربية الفلسطينيتين، من خلال إجراء جولات ليوم واحد في كل جامعة من الجامعات.
وكشفت نتائج المسح صورة قاتمة مفادها، أن جميع المؤسسات الأكاديمية المفحوصة، لم تستوفِ الهدف الذي وضعه مجلس التعليم العالي، والمتعلق بترجمة مواقعها الإلكترونية للغة العربية، كما أن غالبية الجامعات تكاد تخلو من لافتات مكتوبة بالعربية، أمّا حياة الطالب العربي الفلسطيني الثقافية التي يُفترض أن تنعكس في الفعاليات، وفي تعامل المؤسسة الأكاديمية فهي نادرة، أو تكاد تكون معدومة.
وأوضحت النتائج أن لغة الطالب الفلسطيني وثقافته غير حاضرتين تقريبا في الحيّز الجامعي، والقليل الموجود غير كافٍ للتدليل على انتمائه للمكان، أو على خلق هذا الإنتماء.
ومما جاء في البحث: 'في الراهن، لا يشكّل تعزيز ثقافة مواطني إسرائيل العرب الفلسطينيين ولغتهم وجعلهما حاضرتين في الحيّز الجامعي جزءا من السياسة الأكاديمية'، فهذان المكوّنان غير واردين في تقرير مجلس التعليم العالي من العام (2013)، وغير مطروحين على جدول أعمال أي واحدة من الجامعات الأربع المفحوصة.
وكشفت النتائج بشكل جليّ واضح أن الثقافة واللغة العبرية تتمتعان بتمثيل وحضور مكثفين وواسعين، وبالمقابل تكاد الثقافة العربية الفلسطينية تغيب تماما عن حرم الجامعات، بينما يُخصّص للغة العربية متّسع ضيق جدا بحيث تكاد تُبتلع في الحيّز، موضحة أن كثيرة هي العناصر الموجودة في المؤسسات الأكاديمية التي تتيح لكلّ طالب يهودي أن يعرّف الحيّز على أنه 'خاصته'، بينما لا يوجد علامات ودلالات في معظم هذه المؤسسات تدلل للطالب العربي الفلسطيني على أنه شريك كامل في هذا الحيز'.
وفيما يتعلق بالتوصيات، أشار البحث إلى عدد من المؤشرات بشأن انتهاج سياسة تصحيحية في هذا المجال، وبالأخص من طرف مجلس التعليم العالي، وأوّل هذه الإحتياجات هو الحق في التعلّم في فضاء أكاديمي لا تكون فيه اللغة العربية محاصرة ومحصورة داخل الحيّز الشخصي للمكالمات الهاتفية وداخل غرف المساكن، بل حاضرة في حياة الطالب العربي الفلسطيني الأكاديمية والثقافية داخل الحرم الجامعي، وقادرة أيضا على التوجّه للطالب اليهودي.
والـتأكيد على أن اللغة العربية هي لغة رسمية بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى، مثلما يجب أنّ يكون حال العرب الفلسطينيين، متساوي الحقوق في كافة الجوانب والأمور، بمعنى إنشاء الحيّز الذي يشعر فيه الطالب العربي شريكاً شرعيا، وليس طالبا غريبا في دولته'.
وأفاد البحث بأن واحدة من نقاط ضعف البرامج المخصّصة للطلبة العرب هي غياب التعاون بين مؤسسات إتخاذ القرار وبين الطلبة أنفسهم، والنقابات الطلابية، ومنظمات العمل المدني، وقيادات المجتمع العربي.
وأشار إلى أن معظم جهود مجلس التعليم العالي لإيجاد التعاون وتطوير المشاريع موجّهة لجزء بسيط من المحاضرين والأكاديميين العرب، بدل أن توجّه للجمهور الواسع (طلبة، هيئة إدارية وهيئة أكاديمية)، وهم الذين يعيشون على تجربة الحياة الجامعية، ويعلمون مواطن ضعفها.
كما تضمن البحث عددا من التوصيات المقترحة لوضع حد للحالة القائمة، ومنها:
· توسيع التوجيهات (من مجلس التعليم العالي) بخصوص إعطاء المكانة الواضحة والمشرّفة والعملية للغة العربية في أرجاء الحرم الجامعي، والتدقيق في تطبيقاتها.
· وضع التوجيهات المفصّلة التي تقرّ معايير واضحة بشأن مكانة الثقافة العربية الفلسطينية، مع التشديد على إبرازها في الحيز العام وبشكل واسع.
· تطوير برامج استكمال وتأهيل موجهة لأعضاء الهيئتين الأكاديمية والإدارية في مختلف المؤسسات، بغية تطوير التعامل الأفضل مع شريحة الطلبة العرب الفلسطينيين.
· العمل على إجراء البحوث الشاملة التي تفحص التجربة التي يعيشها الطلبة العرب الفلسطينيون من خلال التواجد ضمن مناخ وحيّز الحرم الجامعي، للوقوف عند محدوديات الوضع القائم وإيجاد السبل لتغييره.
· إجراء نقاش حول نتائج هذه البحوث ضمن منتدى متنوع ومفتوح يشمل باحثين وخبراء في هذا المِضمار: صانعي القرار، وممثلي/ات الجمهور، وجمعيات ناشطة في هذه المجالات، والعاملين والعاملات في التربية وغيرهم.