حتى لا ننسى- مجزرة قبية: 77 "كوكبا" تلمع في السماء
عبد الباسط خلف: تسكن في ذاكرة المعلم المتقاعد حامد طه عبد الله، ملامح مجزرة قريته قبية، الواقعة على بعد 11 كيلومتر إلى الشمال الشرقي لمدينة اللد وغرب رام الله.
فيقول والألم يعتصر قلبه لـ(ألف):" جاء أحمد مصطفى البدوي، الذي كان يحرس زيتون البلد يدق باب بيتنا الساعة الثامنة مساء تقريباً، وأخذ يروي ما حدث معه، طالباً إسعافه، بعد أن وثقته العصابات اليهودية، واعتدت عليه هو وزميله مصطفى حسن، وراح يصرخ على الناس، بأن اليهود يعدون العدة للهجوم على البلد من جهتنا الشمالية والغربية."
وتعيش في ذاكره عبد الله مشاهد لفائف الشاش واليود ومواد الإسعاف الأولية، مثلما تحفظ لحظات الهروب من علية البيت، والاحتماء تحت "الراوية" السفلى، وسط بكاء العجائز، ودعاء العديد منهن أن يحمى الله الشباب والبلد من شر المهاجمين.
يتابع: "هربنا من البيت، بعد وقت قصير، واحتمينا في زيتون قرية شبتين، وأمضينا فيها ثلاثة أيام، وعندما رجعنا أخذ والدي يرينا مشاهد التدمير والقتل، ويقول لي ولأخوتي: هذا البيت نسفوه، وهما قتلوا بنت عمتنا، وفي تلك المنطقة قتلوا العجوز، والأطفال.
أما عائلة عدلي الجمالية فدفنت في البئر، وقسم من الشهداء وضعوا في المقبرة، أو عند بيوتهم."
وبحسب الأستاذ طه، الذي درّس التاريخ 29 سنة في قبية ونعلين ومخماس، وجمع شهادات حول المجزرة في كتاب" ذكرى مجزرة قبية حتى لا ننسى"، ونشره العام 1998، فإن 77 شهيدا سقطوا في قبية، فيما وقف الإرهابي أرئيل شارون على رأس الوحدتين المهاجمتين، ونسفت العصابات بالقذائف والمتفجرات ستة وخمسين منزلاً، بالإضافة إلى مسجد ومدرستين وخزان مياه: "في اليوم الرابع عشر من شهر تشرين الأول عام 1953، قامت الوحدة 101 والوحدة 890 للمظليين قوامها ستمائة بحصار القرية، وعزلها عن باقي التجمعات المجاورة، ثم بدأت بقصفها بشكل مركز بمدافع الهاون و"المورتر"، حتى الرابعة من صباح اليوم التالي، وهذا دفع بعض الأهالي للبقاء داخل بيوتهم. بعدها أخذت الوحدة تتنقل من منزل إلى آخر، وأخذت تطلق القنابل داخل البيوت، تفتح النار عشوائيا عبر الأبواب والنوافذ المفتوحة، وكل من يحاول الهرب، بعد ذلك نسف المظليون البيوت على من فيها.
وطوقت العصابات قرى شقبا وبدرس ونعلين لمنع وصول النجدة إليها، وزرعت الألغام على جميع الطرق المؤدية إلى القرية."
يتابع: الذريعة الإسرائيلية للمجزرة، قيام أهالي قريتنا ومن أقام فيها من قرى بيت نبالا والطيرة وغيرها، بالعودة إلى بيوتهم المدمرة خلال النكبة، واسترداد ما تركوه من أموال ومقتنيات، وبعد أن تعرضوا لهجوم العصابات اليهودية، ألقوا قنبلة على حارس في قرية العباسية وقتلوه، فقرر اليهود الانتقام."
يقول الشاب علي إبراهيم الذي درس التاريخ وجمع بعض الروايات من أهالي القرية وما نشر حول مذبحتها: "كان من أشد المناظر إيلاماً، منظر امرأة من أهل القرية، جالسة فوق كومة من الأنقاض، وقد أرسلت نظرة تائهة إلى السماء، وقد برزت من تحت الأنقاض يد وأرجل صغيرة من أشلاء أولادها الستة، وكان جثمان زوجها ممزقة من كثرة الطلقات النارية التي أطلقت عليه وملقاة على الطريق المواجهة لها.
يقتبس:" من الأسر التي أبيدت تماماً في هذه المذبحة أسرة أبو زيد المكونة من أربعة أفراد، وأسرة محمود المسلول من ستة أطفال، وزوجة محمود إبراهيم وأطفالها الثلاثة، وحسين عبد الهادي وعمره 64 عاماً ولطيفة حسين عبد الهادي وعمرها 12عاماً."
وأدعى دافيد بن غوريون، أول رئيس للدولة العبرية، في خطاب له أمام الأمم المتحدة "أن سكان الحدود هم من قام بالعملية وليس الجيش." غير أن الجنرال فان بيتيكه، كبير مراقبي الأمم المتحدة وقتها، أكد في تقريره إلى مجلس الأمن الدولي في 27 أكتوبر 1953 أن الاعتداء كان مدبراً ونفذته قوات نظامية إسرائيلية.