يوميات 'هدى'... الساعات الأولى: فرح كبير لثوب الزفاف الأبيض
جميل ضبابات
ما أن بدأت الارض تصطبغ بالأبيض البارد في مدن الضفة الغربية العالية، حتى انهالت على الفضاء الالكتروني صور السيلفي التي تظهر فرح الوجه بالزائر الابيض.
بدأت طبقة خفيفة بالتشكل فوق الأرصفة واسطح البنايات في مراكز المدن. أما اعالي الجبال في محيط نابلس ورام الله وبيت لحم والخليل فقد ظهرت لجة البياض أكثر سماكة. لقد بدت الأرض وكأنها لبست ثوب الزفاف الأبيض.
لم تمض ساعات قليلة على هذا الفرح في بعض الأماكن حتى امتد إلى قرى وبلدات أقل ارتفاعا، فالعاصفة الثلجية التي تضرب بلاد الشام أخدت تتعمق مع مرور الوقت. وحتى المناطق التي لم يطالها هطول الثلوج حظيت بهطول كميات من البرد لم تعهدها مثل مدينة قلقيلة التي تقترب من الساحل الفلسطيني.
على مدى يومين ماضيين، حضّرت السلطات الحكومية والمتطوعون انفسهم جيدا لمواجهة 'هدى'. فثمة البلديات التي جهزت مركباتها، وايضا الأشغال العامة التي بدت أطقمها في حالة الطوارئ القصوى. وثمة ايضا مجموعات من المتطوعين الذين يقودون سيارات الدفع الرباعي. وهؤلاء ظهروا نشيطين منذ اللحظات الاولى لوصول الثلوج. فسياراتهم ذات القوة الأكبر في التحرك، وضعت في سياق الاستخدام وقت الضرورة.
لم تعهد الضفة الغربية، وايضا غزة التي تعاني الحصار حالة تهافت على شراء المواد التموينية مثل الحالة التي شهدتها قبل قدوم العاصفة. وأظهرت الصور ايضا القادمة من داخل اسرائيل حالة مشابهة. فهناك طوابير المشترين امام المحلات التجارية يشترون ما يمكنهم حمله دون التفكير بمدة العاصفة.
لكن مع حلول ساعات ظهيرة الأربعاء، اليوم الثلجي الاول لهدى، أو زينه او عيبال وهي ثلاثة أسماء شرق اوسطية من اسماء كثيرة اطلقت على العاصفة الثلجية، بدت كل التجهيزات التي قام بها السكان غير ذات فائدة في كثير من الأحيان اذا ما تعلق الامر بالخروج خارج المنزل. أغلقت بعض الطرق في محيط رام الله ونابلس مؤقتا وبدأت الجرافات بفتح الطرق.
ظهرت المؤسسات الحكومية وغيرها متيقظة أكثر من العالم الماضي، فالعاصفة التي ضربت الأرض الفلسطينية في نهاية الخريف الذي سبق الشتاء الماضي، حيث أدى تساقط الثلوج الى عزل المدن والقرى والبلدات العالية لأيام، تزامنا مع انقطاع التيار الكهربائي.
عقدت الكثير من الاجتماعات على مدار اليومين الماضيين، وبثت عبر شبكات التواصل الاجتماعي نداءات كثيرة. وطبعت الارشادات ووزعت عبر البريد الالكتروني للصحافين.
لكن الفلسطينيين تيقظوا هذا العام للكهرباء. اشتروا الفوانيس وجهزوا انفسهم جيدا بالخبز، لكن كثيرين دفعهم فرحهم للشوارع لم يستعموا جيدا لنداءات المساجد ومناشدات الدفاع المدني والجهات الحكومية بعدم التحرك في الطرق التي كستها الثلوج إلا للضرورة.
في الساعات الاولى تلقت طواقم بلدية رام الله طلب استغاثة، معظمها لإخلاء مركبات عالقة في الثلج، فيما كانت الجرافات تعمل على فتح الشوارع التي أغلقتها الثلوج جزئيا، كانت المركبات ما تزال تتحرك، لأسباب متفاوتة.
وهو ما دفع مدير دفاع مدني محافظة رام الله والبيرة المقدم مراد شبيطة الى الاشارة إلى وجود مئات السيارات العالقة في شوارع المحافظة الداخلية ما يعيق عمل طواقم الدفع المدني ويخلق حالة إرباك في عملها ويحول دون قدرة الآليات على فتح الشوارع المغلقة بسبب الثلوج.
وعاد شبيطة واكد على المواطنين عدم الخروج من منازلهم في سياراتهم بسبب تساقط الثلوج لان ذلك يعيق عمل طواقم الدفاع المدني العاملة على مساعدة المواطنين وخاصة الحالة الطارئة من المرضى الذين هم بحاجة للوصول إلى المستشفيات والمراكز الطبية.
وفي الساعات الاولى لقدوم هدى ايضا هاتف رئيس الوزراء رامي الحمد الله، مدير عام الدفاع المدني اللواء محمود عيسى، واطلع على الاستعدادات وجاهزية الدفاع المدني في مواجهة الطوارئ خلال المنخفض الجوي.
وقال اللواء عيسى: إن الدفاع المدني وضع خطة للعمل خلال المنخفض الجوي، لمواجهة اي معوقات أو ظروف طارئة يمكن أن تحدث.
صحيح، ان الفلسطينيين ظهروا بانهم حشدوا كل إمكاناتهم للتصدي لعاصفة ثلجية كبيرة، كما اشارت الارصاد الجوية في غير دولة، إلا ان الساعات الاولى ايضا أظهرت أن اغلاق طرق رئيسة من قبل سلطات الاحتلال الاسرائيلي بين نابلس ورام الله، وأخرى داخل اراضي عام هو نتيجة لعدم قدرة دولة تتمتع بإمكانات كبيرة مقارنة بالإمكانات التي تتمتع بها المؤسسات الفلسطينية.
أمام تقدم هدى في ايامها الثلاثة المثلجة، وأمام موجة صقيع ضارية من المحتمل أن تضرب المنطقة في نهاية العاصفة، ليس معروفا إلى أي مدى يمكن ان تحلق خسائر بالقطاعات الزراعية والصناعية.
عند الساعة الثانية وعشر دقائق من هذا اليوم، دوى الرعد، في المنطقة الواقعة شمال نابلس، كنت أنهى كتابة هذا التعليق عن يوميات هدى، وكان مصور وكالة 'وفا' أيمن نوباني، هبط من اعالي جبال نابلس. الجبال التي تراكم عليها الثلج بسمك 'خمسة أمتار.. ستة أمتار' كما قال وهو تحت تأثير ضغط معالجة صوره. لكنه يستدرك ويقول ' سم. سم'.