يوميات 'هدى': البداية كانت من مكتبة الكونغرس
جميل ضبابات
الصباح بارد، وثمة ثلوج تغطي بعض قمم الجبال في الضفة الغربية.. نظرة من نافذة المنزل في البلدة إلى السهل الرحب، تشيع الاطمئنان حول موسم زراعي جيد.
المطر المنهمر جعل من كل شيء ينمو أكثر خضرة. أما نظرة من النافذة المفتوحة داخل الموقع الالكتروني لمكتبة الكونغرس بأرشيفها الضخم، ستكشف كيف يؤرخ العالم لكل ما يجري في هذه الأرض، التي تقوم فوقها الصراعات، التي تمتد من العسكرية حتى الضرب بكرات الثلج.
إذا وضعت باللغة الانجليزية كلمتين مثل (الثلج في فلسطين)، فإن تاريخ أرشيف المكتبة يعود بالباحثين إلى بدايات القرن الماضي: سلسلة من الصور بالأبيض والأسود تشير إلى فلسطينيين وفلسطينيات يلهون بالثلج في شتاء عام 1924.
يظهرون بتلك الهيئة الكلاسيكية؛ الرجال بقنابيزهم والنساء بملاءاتهن يتقاذفون بفرح كرات الثلج. أما التعليق المصاحب لتلك الصور، فيشير إلى أن كل هؤلاء يلهون بجانب المدينة المقدسة.
لا يختلف المشهد كثيرا عن الصور الملونة بعد قرن، فاللهو بكرات الثلج، واحدة من ألعاب الشتاء في البلاد الدافئة.
لم يطلق في ذلك الحين على 'الثلجة' أي اسم كما يشير أرشيف المكتبة. بعد أقل من قرن من الزمان، أخذ الفلسطينيون يطلقون الأسماء على الأحوال الجوية المصاحبة لحياتهم.
وبدا التحدي واردا بين من يطلقون هذه الأسماء على الأحداث الجوية الشتوية. ويظهر اسم 'هدى' واحدا من الأسماء المتقدمة لعاصفة حملت أكثر من اسم.
ليس معروفا إذا ما وثق المصورون قبل ذلك، علاقة الفلسطينيين بالثلج، لكن منذ أن أصبح باستطاعة كل فلسطيني حمل جهاز هاتف نقال مزود بكاميرا، أصبح بإمكانه توثيق المرحلة، بكل شغف.
في اليوم الثاني من 'هدى'، أصيب الكثيرون بخيبة أمل، فالبون بين ما نشرته مواقع الطقس الفردية (غير الرسمية) وبين ما حملته الرياح من ثلوج، بدا واضحا. ولم تسقط الثلوج في مناطق كان يتأمل ساكنوها أن تسقط فيها، وحتى في المناطق التي سقطت فيها الثلوج، بدا سُمك الساقط الأبيض أقل كثيرا من المتوقع.
لكن في اليوم الثاني أيضا، بدا الفلسطينيون أكثر راحة، بسبب الإجراءات التي اتخذت في الضفة الغربية، للتقليل من الخسائر، فخلاف ما حدث خلال العاصفة الماضية التي ضربت فلسطين في نهايات الخريف الذي سبق الشتاء الماضي، لم تنقطع الكهرباء بتلك الحالة السيئة الطويلة في نهايات العام 2013م.. في حين انقطع التيار الكهربائي عن نحو 17 ألف منزل داخل إسرائيل، كما عنونت الصحف العبرية أخبارها الرئيسة في صدر صفحاتها الأولى صباح اليوم.
في الإعلام الشرق أوسطي، تصدر عناوين الأخبار، حدثان، ظهر أنهما حازا في اليوم الثاني للعاصفة على ذات الاهتمام، هبوب الريح الباردة والهجوم الدامي على صحيفة فرنسية. اقترنت صور الحدثين في كثير من الأحيان.
حتى صباح اليوم، كان كل شيء يسير بوتيرة مرضية نسبيا، فالجهات الحكومية، عملت على مدار الساعة للحد من الخسائر.
فحتى ساعات مساء أمس، تعاملت طواقم الدفاع المدني مع 1680 حادث إطفاء وإنقاذ منذ دخول المنخفض الثلاثاء، نتج عنها وفاة طفل بحريق منزل في مخيم طولكرم وإصابة 36 مواطنا معظمهم بحوادث سير.
فيما أخلت طواقم الدفاع المدني بمحافظة أريحا والأغوار اليوم الأربعاء، 60 مواطنا يعيشون في بيوت بلاستيكية وبيوت مسقوفة بالخشب والصفيح بمنطقة الجفتلك، وتم نقلهم بالتعاون مع مجلس قروي الجفتلك إلى إحدى مدارس القرية.
وذكر تقرير لإدارة العلاقات العامة والإعلام بالدفاع المدني، أنه وبعد الكشف على المنازل التي تأوي هؤلاء المواطنين التي لا تتوفر بها كهرباء، توجب إخلاء المواطنين في ظل الظرف الجوية الصعبة، منوها إلى نقلهم لإحدى المدارس بالقرية وتأمين الفراش والأغطية الكافية لهم، وذلك بالتعاون مع المجلس القروي.
صحيح، أن كل شيء سار بأقل الخسائر، لكن لم تظهر إلا الصور البيضاء لليوم الأول وصباح اليوم التالي. في بعض الأحيان خلال الساعات الأولى من اليوم الثاني كانت تظهر صورا مريعة للبيوت البلاستيكية، التي مزقتها الرياح في شمال الضفة الغربية. وهذه خسائر تحسب على المدى الطويل، بعيدا عن الأبيض الذي ربما يذوب مع طلوع الشمس، أو يتجمد بسبب صقيع محتمل.
لم تنته الموجة، رغم أن الآمال بسقوط مزيد من الثلوج بدأت بالانحسار في المناطق التي تقع على علو متوسط، إلا أن احتمالات هطولها ولو بشكل هش ما زالت قائمة. وقد تتجدد إذا ما صدقت بعض توقعات الراصدين الجويين.
في أرشيف الفلسطينيين قائمة طويلة من القصص، التي يمكن أن يرووها عن الثلوج بعد أن تذوب، ليس ابتداء من أرشيف مكتبة الكونغرس، وليس نهاية بالعاصفة الحالية التي تراجعت هذا الصباح. ثلوج عام أعقبت اشتباكات فلسطينية يهودية عرفت حينها بثورة يافا. فماذا سيحمل ذوبان ثلوج هذا الشتاء بالنسبة للفلسطينيين؟