في ذكراهم السنوية – شهداء الشبيبة وحكاية البطولة- يوسف احمد
شباب وضعوا الخريطة أمامهم، رسموها وحفظوها غيباً، لم يكترثوا لسنوات عمرهم الآتية، أرادوا أن يقولوا للعدو الاسرائيلي بأن فلسطين لا تغلو عليها الدماء والتضحيات. حين إجتاح العدو الاسرائيلي لبنان عام 1982، تلقف أبطال منظمة الشبيبة الديمقراطية الفلسطينية (اتحاد الشباب الديمقراطي الفلسطيني) فرصة وجود قوات الاحتلال داخل القرى والبلدات اللبنانية في الجنوب لتحقيق ما كانوا يحلمون به، انطلقوا للعمل الفدائي، وحملوا السلاح, رافضين أن يجلسوا في مقاعد المتفرجين, فشكلوا مجموعات الشباب والاشبال، وتدربوا على مختلف أنواع الأسلحة، اقتحموا البساتين والمغاور، ولم ترهبهم عتمة الليل وظلامه، وهدير جنازير الدبابات والمدرعات، وأزيز الرصاص فوق رؤوسهم، أشبال خبرتهم الحياة, كوتهم النار, فأصبحوا فولاذاً يتحدى الصخر ويتحدى الزمن. هم مجموعة من ابطال منظمة الشبيبة الديمقراطية، الشهداء علي محمد جعبوص، ومحمود أبو خليل (لينو)، وعلي مرعي. كان لهم مع العدو الاسرائيلي وجنوده قصة شهادة وحكاية بطولة لا تنسى. في السابع والعشرين من شهر آب (أغسطس) 1982، وعند الساعة الثانية عشر ظهراً كان الشهداء الثلاثة على موعد مع الجنود الاسرائيليين، على الطريق الساحلي القريب من مدينة صور عند مفترق بلدة الواسطة، وما أن إقترب الباص العسكري الاسرائيلي بالقرب من الكمين الذي نصب له من قبل المجموعة، حتى قام الشهداء بإطلاق القذائف باتجاهه، فاصابوه إصابات مباشرة، وبدأ يتصاعد منه الدخان، وتمكن ابطال المجموعة من الصعود الى داخل الباص وقاموا باطلاق الرصاص بإتجاه الجنود، وانطلق بعدها الشهداء بإتجاه بساتين الحمضيات المجاورة، وما هي إلا دقائق حتى حضرت طائرة مروحة اسرائيلية وبدأت بعملية نقل القتلى والجرحى، وقد ذكرت العديد من التقارير الصحفية بأن الهجوم ادى الى مقتل 15 جندياً واصابة اكثر من20 اسرائيلياً. على أثر ذلك حضرت قوات كبيرة من جنود الإحتلال الاسرائيلي وقامت بعملية تمشيط واسعة في البساتين القريبة من مكان العملية، لكنها لم تنجح في العثور على المجموعة، التي تمكنت من الانسحاب والابتعاد عن المكان. ومن تابع وقائع العملية، عبر الوثائق التاريخية المتوفرة، لاحظ كيف أن أبطال العملية حولوا منطقة العملية إلى جبهة قتال حقيقية اضطر فيها العدو إلى استعمال المروحيات والآليات واستدعى قوات إضافية، وأشّرت حركة سيارات الإسعاف والمروحيات إلى الخسائر التي وقعت في صفوفه، علماً أن العملية تمت في وضح النار وعلى الطريق الساحلي الرئيسي، إلا أن التخطيط المسبق للعملية مكن ابطال المجموعة من النجاح في ايقاع خسائر كبيرة في صفوف العدو. وبعد مرور أقل من اسبوع على العملية، وبفعل وشاية أحد العملاء، قام جنود الاحتلال بحملة مداهمات واسعة في منطقة ابو الاسود تمكنوا خلالها من اعتقال الشهيدين على جعبوص ومحمود ابو خليل (لينو)، وقد تعرض الشهيدان الى ابشع انواع التعذيب الجسدي، وقام بعدها العدو الاسرائيلي بإعدامهم الى جانب الرفيق علي مرعي. سنوات طويلة مضت على استشهادهم وعمليتهم البطولية، وتستمر مسيرة الشهداء في مواجهة آلة الحرب الصهيونية، والتي لن تتوقف طالما الاحتلال جاثم فوق أرضنا الفلسطينية، وعهدنا اليوم وفي كل يوم أن ذكراكم ستبقى النابض الاقوى في قلوبنا، ومهما طال الليل ففجر النصر آت... فجر يبدعه شعب الثورة، نواصل النضال والكفاح لننجز الحرية بعودة فلسطين إلى شعبها، وعودة شعبها إليها داخل الوطن وأقطار اللجوء والشتات.