المبادرة الفرنسية بين إنهاء الجمود السياسي وقطع الطريق على استحقاق سبتمبر
وفا- زلفى شحرور
لا يختلف السياسيون الفلسطينيون في تقديراتهم على أن المبادرة الفرنسية تشكل بصورة غير مباشرة نوعا من الضغط على الجانب الفلسطيني لقطع الطريق عليه للذهاب للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر لطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية، والموقف الأوروبي في جوهره لا يقصد ذلك، لأنه أقرب للموقف الفلسطيني.
وأخذ الفلسطينيون قرارا بالتوجه للأمم المتحدة، بعد استكمال جاهزية مؤسساتهم للعمل كدولة بناء على خطة رئيس الوزراء" إقامة الدولة وإنهاء الاحتلال"، وفي ظل الانسداد الحاصل في عملية السلام، وغياب فرص تحقيق السلام بسبب التعنت الإسرائيلي.
وطرحت فرنسا مبادرة لإعادة إطلاق المفاوضات المتوقفة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في مؤتمر باريس الاقتصادي (2)، ووافق عليها الجانب الفلسطيني، في حين تحفظت الولايات المتحدة على المبادرة مشجعة في موقفها هذا الموقف الإسرائيلي الرافض لهذه المبادرة.
وقال نائب أمين سر المجلس الثوري لحركة فتح صبري صيدم: "هناك مساعٍ دبلوماسية كبيرة قامت بها العديد من الدول من أجل إعادة العملية السلمية إلى مسارها، والتزام إسرائيل بالأسس التي قامت عليها عملية السلام، وأيضا لتجاوز إصرار الفلسطينيين على التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ومواجهة تبعاته الدبلوماسية، والتي يرى البعض أنها ستشكل مواجهة دبلوماسية مقبلة، وحالة من الجمود السياسي وانقسام الموقف الدولي.
ويرى وزير الاقتصاد حسن أبو لبدة أن إضافة جرعة سياسية لمؤتمر باريس الاقتصادي كانت مطلبا فلسطينيا، وأن الاتحاد الأوروبي ينسق موقفه بخصوص هذا المؤتمر مع الدول المانحة.
وأضاف أن المبادرة الفرنسية حظيت بقبول فلسطيني، وهدفت لتحريك عملية السلام والعودة إلى المفاوضات، و"إذا ما فشلت سنتوجه للأمم المتحدة، والموقف الفرنسي من أسس عملية السلام يقترب من موقفنا".
وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنا عميرة، إن المبادرة الفرنسية تضغط على الجانب الفلسطيني للعودة للمفاوضات، والقبول بقضايا كان رفضها سابقا، لقطع الطريق على الذهاب للأمم المتحدة.
وتقوم عناصر الخطة الفرنسية على مفاوضات تنتهي في غضون سنة، تبدأ أولاً بقضيتي الأمن والحدود على أساس حدود 1967 مع تبادل أراض متفق عليه، ومن ثم تنتقل إلى موضوعي اللاجئين والقدس.
كما تقول المبادرة أن لا تأجيل لأي من قضايا الحل النهائي، والاتفاق يجب أن يشمل جميع القضايا خلال فترة السنة من المفاوضات. الحل يكون بالوصول إلى اتفاق يكرس دولتين لشعبين مع التزام الطرفين بالامتناع عن أي إجراءات أحادية خلال المفاوضات.
ويعتقد المحلل السياسي محمد هواش، أن المبادرة الفرنسية تشكل نوعا من الضغط، ولكن الهدف منها ليس هكذا تماما، وحاول ساركوزي قبل ذلك تطعيم مؤتمر باريس الاقتصادي للمانحين بجرعة سياسية، وكان ذلك قبل الحديث عن الذهاب للأمم المتحدة.
وأضاف: "مع توجه الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة، ومع انسداد الآفاق أمام المفاوضات التي حاولت الإدارة الأميركية إطلاقها، ونسفت تعنت الإسرائيليين الذين سدوا كل الأبواب والفرص أمام إطلاقها، تحاول الإدارة الأميركية احتواء أي توجه نحو الأمم المتحدة، وتحاول إقناع الأوروبيين بالضغط على الفلسطينيين بعدم التوجه للأمم المتحدة، وبهذا السياق يمكن اعتبار مؤتمر المانحين خطوة لعدم التوجه، رغم أن المؤتمر هدفه تعزيز الشراكة الأوروبية الدولية.
وأشار عميرة إلى أن فرنسا والاتحاد الأوروبي لا يمكن لهما القيام بدور سياسي مستقل عن أميركا، التي ترغب بممارسة ضغط أكبر على الفلسطينيين للقبول بالإملاءات الإسرائيلية، خاصة وأن هناك تباينا في الموقف الأوروبي، لافتا لموقف ألمانيا الرافض للذهاب للأمم المتحدة بصورة فردية.
وقال: لا مكان للحديث عن موقف أوروبي ضاغط إذا لم يكن هناك تحريك للموقف الأوروبي باتجاه الضغط على إسرائيل لوقف الاستيطان.
وبين صيدم أنه "لا يمكن لأوروبا أن تخفي انزعاجها من تراجع إسرائيل عن حدود الرابع من حزيران، وعن مفهوم التسوية على أرضية قرارات الشرعية الدولية، وأن مساعيها تأتي في سياق جسر الهوة بين الموقف الفلسطيني والموقف الأميركي، الذي أعلن صراحة رفضه لتوجهنا للأمم المتحدة، خاصة وأن الإدارة الأميركية تعتبر العملية السلمية وعملية التسوية في المنطقة شأنا من شؤون السياسة الخارجية الأميركية.
ولا يعتقد المستوى السياسي أن هذه المبادرة في ظل الموقف الأميركي المتحفظ عليها، والرفض الإسرائيلي غير الرسمي حتى اللحظة، ستفتح الباب أمام صراع دبلوماسي أميريكي أوروبي.
وأشار صيدم لوجود مبادرات في الماضي لإسبانيا وفرنسا، لكسر الجمود في العملية السلمية، وكان الموقف الإسباني الأكثر وضوحا، بأن العالم لن ينتظر إسرائيل إلى الأبد، وفي حال فشل المفاوضات وعملية السلام سيكون هناك إجراءات من خلال الأمم المتحدة.
وقال: أوروبا بمجملها تدرس كافة التفاصيل، وفي كل يوم تزداد قناعة العالم بأن الفلسطينيين على حق، وتساهم الموافقة الفلسطينية على هذه المبادرة في تعرية الموقف الإسرائيلي، الذي بدأ بتغيير شروط مرجعية المفاوضات بخصوص الحدود واللاجئين والقدس.
ويعتقد هواش أن أوروبا غير معنية بفتح معارك مع الأميركان المنشغلين بالتحضير لانتخابات الرئاسة على مدار السنة ونصف القادمة. وقال "هم يحاولون إقناع الأوروبيين بأن يكونوا أقرب للفلسطينيين لمنعهم من إعطاء إشارات سلبية تحرج أميركا وأوروبا في الأمم المتحدة وغيرها، وفي نفس الوقت الضغط على إسرائيل لمنعها من القيام بخطوات أحادية الجانب، مضيفا أن الموقف الأوروبي في جوهره أقرب إلى الفلسطيني في قضايا الحدود وحل الدولتين" .
وعن بعض التصريحات الصحفية لبعض المسؤولين الفرنسيين بعدم قدرة فرنسا على عقد مؤتمر باريس 2 لتعزيز الدولة الفلسطينية دون وجود بعد سياسي للمؤتمر، قال أبو لبدة إن تأخير المؤتمر قد يؤدي لعدم تمكن السلطة الوطنية من الوقوف على استعدادات الدول المانحة لدعم السلطة، مقللا من خطورة ذلك بقدرة السلطة على تعويض ذلك من خلال الاتصالات الثنائية.