بائعة العكّوب.. لا تأكلُ إلّا مِنْ عرقِ جبينها - عطا الله شاهين
تلتحفُ بكبّودها الرّمادي المُهترء وعودها النّحيف ، تناهز السّبعة عقود ، تشيل فوق هامتها سلة قش منسوجة من نبتة الرّتم ، في درب وعرٍ طويل مليء بنباتات مشوِّكة على طرفيه ، فهي عادة لا تنتعلُ حذاءً .. تذهبُ إلى التّلالِ الملاصقةِ لخربتها ، تتمتمُ بكلمات غير مفهومة ، تنتحبُ تارة وتنوحُ أخرى ، ثم تندبُ حظها ، متعثرة بآخر ثوبها التي تتساقط خلفها بعض الأشواك الجافة.. تقعدُ على طرف عينٍ أسِنَ الماء فيها ، تغسلُ سحنتها ، تمكثُ يومها التَّعِب هناك .. تجمعُ زهرات العكّوب لتبيعها في مدينةٍ يُحِبُّ سكانها أكلة العكّوب.. تعودُ عند المساء منهكة وفي الصباح الباكر تذهب إلى المدينة لتبيع ما جمعته من نبتة العكّوب وتعود عند ساعات الظُّهر إلى منزلها متعبة .. وفي اليوم التّالي تذهبُ إلى التّلالِ لتجمعُ ما تبقّى من العكوب وتتمتمُ عليّ أن أجمعَ الكثير منه في الأيام المقبلةـ لأنّ موسمَ قطفه بدأ يشارفُ على الانتهاءِ مع اقترابِ حرارة الرّبيع فهي تكدُّ لا لشيء فقط لكيْ تعتاشَ مِنَ النُّقود التي ستكونُ معها.. فهي امرأة عجوز ليس لها أحد .. وهكذا تستمرُّ حياتها كُلّ سنة .. تبيعُ في الرّبيع وترتاحُ طوال العام .. تصرفُ القليل على حالها .. فهي لا تريدُ أنْ تمدَّ يدها لأحدٍ .. تريدُ أنْ تأكلَ مِنْ عرقِ جبينها .. تتعذّبُ في حياتها لأنّها لا تُحبُّ أحداً أنْ يساعدها.. فحين ينظرُ المرء إليها يرى كم هي امرأة لا تنحني للذلّ فترضى بالعذابِ حتى آخر يومٍ في حياتها .. فامرأة كهذه تستحقُّ التّحية ، لأنّها لا تنحني إلّا لربّها..