لا تجعلوا الربيع العربي خريفاً - صلاح صبحية
في الصور المتلاحقة التي بثتها الفضائيات والتي تظهر القذافي في آخر لحظات حياته يتوقف الإنسان ملياً ليسأل نفسه أهكذا تنتهي حياة رجل توّج نفسه بأنه ملك الملوك وعميد الحكام وفيلسوف العصر والمتسلط على رقاب العباد والبلاد والمتصرف الوحيد بكل أحوالها بلا ضابط ولا ناظم ، ولايريد أن يرى شعبه إلا طائعاً ساجداً له ، معلناً السمع والطاعة والولاء لرجل اختلت لديه كل موازين الإنسانية ، ومع هذا فإنّ المشهد الأخير للقذافي وكيف انتهت حياته بحاجة إلى وقفة إنسانية مسؤولة جادة ، لأنّ نهاية القذافي كانت بأسلوب القذافي ، ووجدنا من يقول بطريقة التخلص من القذافي بأنّ الحرب هي الحرب ، نعم الحرب هي الحرب ، ولكن يختلف هدف الحرب من حرب لأخرى ، فثورة الشعب العربي في ليبيا كانت ضد الظلم والقهر والاستبداد والقتل الذي كان يمارسه نظام القذافي العائلي ، ثورة ليبيا كانت ضد سادية القذافي وعائلته ، ثورة ليبيا كانت من أجل تحقيق حياة حرة كريمة للشعب العربي في ليبيا ، كانت ثورة ليبيا للتخلص من كل أنواع فساد نظام القذافي ، و عندما استخدمت الثورة السلاح في وجه القذافي لم يكن بهدف القتل بحد ذاته وإنما كان من إجل الدفاع عن وجود الشعب العربي في ليبيا على أرض ليبيا والانتقال من مرحلة العبودية والاستبداد إلى مرحلة الحرية والديمقراطية التي تعني وجود إنسان كريم يعيش حياة إنسانية آمنة مطمئنة ، فإذا كانت الثورة المسلحة الليبية من إجل تخليص ليبيا من قانون الغاب السائد فيها فهذا لا يعني المبرر للثورة الليبية أن تمارس ذات الأسلوب مع أفراد النظام الحاكم ، لا نقول ذلك دفاعاً عن نظام القذافي المستبد ، وإنما نقول ذلك دفاعاً عن الثورة الليبية وأهدافها من أجل التغيير والتخلص من النظام الفاسد ، فإلقاء القبض على القذافي حياً في مجرى الأمطار والسيول تحت الطريق العام وفي مكان وضع شعبه فيه لا يبرر لأي كان الإجهاز على القذافي والتخلص منه ، وخاصة بعد أن دار حديث بين القذافي وبين الثوار الذين ألقوا عليه القبض حياً ، فبعد أن كان هؤلاء الثوار جرذان في عرف ومنطق القذافي الحاكم ، أصبح هؤلاء أولاده في عرف ومنطق القذافي الذي وقع في قبضتهم ، وبعد أن كان هؤلاء لا يعرفون الحرام وهو يقاتلهم من دار إلى دار ومن زنقة إلى زنقة ، أصبح هؤلاء يعرفون الحرام وهو يقول لهم حرام عليكم أن تقتلوني يا أولادي فأنا القائد ، ولكن وبكل أسف يأتيه الجواب من الثوار ( وهل تعرف الحرام أنت ) ، وبعد هذا الحديث تم التخلص من القذافي بإطلاق النار على بطنه ورأسه ، وهنا وقعت الطامة الكبرى ، فلقد كان التخلص من القذافي بذات الأسلوب الذي كان يتخلص به القذافي من خصومه ، إذاً ما الفرق بين الفريقين المتخاصمين المتصارعين المتحاربين ولا سيما إنً فريق الثورة يريد أن يتخلص من فساد فريق النظام ، وعندما يتطابق أسلوبي الفريقين بالتخلص من بعضهما فلا يمكن عندها أن يكون فريق أفضل من فريق ، وبالتالي لا يمكن بناء نظام جديد بأسلوب النظام السابق ، وما تصفية القذافي بهذا الأسلوب إلا رسالة واضحة من إحدى قوى الثورة إلى باقي القوى الأخرى المشاركة في الثورة بإنّ من تخلص من القذافي هو الذي يملك الحق في تسيير شؤون البلاد والعباد بعد القذافي ، فهل كان التخلص من القذافي بهذا الأسلوب بداية صراع بين فرقاء الثورة على مستقبل ليبيا ؟ لأنّ إلقاء القبض على القذافي حياً والإبقاء عليه حياً ومحاكمته محاكمة عادلة كان يمكن إن يعطي صورة حقيقية ناصعة عن وجه التغيير الذي ستكون عليه ليبيا مستقبلاً ، ولكن يبدو أنّ أسلوب التخلص من القذافي يجعلنا نتخوف على مستقبل ليبيا وخاصة إذا ما خضعت ليبيا لسياسة الناتو وراحت تدفع فاتورة التخلص من نظام القذافي وظهر معارضون للسياسة الليبية القادمة ، أم إنّ التخلص من القذافي كان بناء على تعليمات من جهات أخرى تخشى على ذاتها من محاكمة القذافي الذي كان يمكن أن يكشف اللثام عن أطراف ليبية كان يستخدمها في حكمه ضد الشعب الليبي انقلبت عليه مع بداية الثورة وخلال الثورة وأصبحت جزءاً من الثورة ضده ، ومع هذا نقول لقد أخطأ كل من عمل على تصفية القذافي ، لأنً التخلص من القذافي بهذا الأسلوب وبهذه السرعة تعتبر نقطة سوداء على صفحة الثورة وبداية سيئة لها للتعامل مع المرحلة الجديدة ، كما إنّ هذه التصفية السريعة للقذافي أضاعت حقائق وحقوق كثيرة لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال القذافي نفسه بمحاكمته أمام القضاء الذي لم يكن هو يقيم له وزناً . وتصفية القذافي بهذه الطريقة تجعلنا نؤكد بإنّ الربيع العربي يجب عليه ألا يحمل في طياته خريف الماضي ، فمحاربة الفساد بالفساد ، والظلم بالظلم ، والاستبداد بالاستبداد ، والقهر بالقهر ، والحرمان بالحرمان ، إنما يكون ذلك بمثابة عملية استبدال للحاكم والسجان بحاكم وسجان جديد وبلباس جديد ، وإذا كانت العائلة الحاكمة في كل دول العالم العربي عملت على شطب وجود الآخرين كبشر أولاً وكمواطنين ثانياً فإنّ على الربيع العربي القادم أن يؤكد على إنّ الدولة العربية هي لكل مواطنيها ، وكل مواطني الدولة متساوون بالحقوق والواجبات بغض النظر عن الفكر والانتماء السياسي والعقيدة الدينية أو الأصول العرقية ، وكما يعمل المواطن العربي عل استعادة كرامته وعزته ووجوده فعليه بذات الوقت ألا يحرم الآخرين كرامتهم لأنهم حرموه كرامته من قبل ، فالمعاملة بذات الأسلوب الفاسد لمن كان فاسداً تعني إنّ المصلح أصبح فاسداً ، فالقضية داخل الوطن الواحد ليست قضية وجود لطرف دون وجود الأطراف الأخرى ، وإلا لن يكون الربيع العربي سوى خريف وصحراء قاحلة .
صلاح صبحية salahsubhia@hotmail.com