" الوقائع 91 " أكبر من فضيحة- حسن سليم
وصدرت " الوقائع "، وهي الجريدة الرسمية الفلسطينية، والتي تُنشر فيها القوانين والأنظمة، واللوائح، والقرارات, والأوامر والمراسيم الرئاسية والبلاغات، والإعلانات الرسمية والعلامات التجارية وحقوق الملكية الفكرية، وكل ما في حكمها من القرارات ذات الطابع الإداري.
ولكن ما صدر ليس عن السلطة الوطنية، بل عن سلطة حماس ويحمل الرقم ( 91 )، وتاريخ صدوره هو الأول من حزيران 2014، فيما ظهر للعلن الأسبوع المنصرم، بواقع ( 850 ) صفحة، وهي النسخة الأكبر منذ تأسيس السلطة الوطنية، من حيث عدد الصفحات وعدد القرارات المتضمنة فيه، والفترة القياسية لإصدار القرارات، فيما اللافت للنظر أن يكون الصدور قبل يوم واحد من أداء حكومة الوفاق الوطني لليمين أمام الرئيس والتي كانت في الثاني من حزيران 2014, واخراج للعلن الاسبوع الماضي، اي بعد ما يقارب عام من ممارسة حكومة الوفاق لعملها.
المفاجأة لا تكمن بصدور العدد ( 91 ) الاسبوع الماضي، بل الفضيحة فيما تضمن هذا العدد المشؤوم من قرارات مثلت اعتداءً صارخاً على القانون الأساسي والقوانين السارية، حيث تضمن ( 246 ) قرارا لحكومة حماس، منها 127 قرار ترقية وتعيين واعتماد هيكليات، و(65) قرار تخصيص وتأجير أراضي دولة، أي ما نسبته 78 % من مجموع القرارات الصادرة عن جلسات اجتماعاتهم، وحتى لا يقال ان "تشريعي" حماس كان مشغولا بسن القوانين عبر هيئته التي يدعي فيها وجود الاغلبية، وفقا لاعتباراتهم وعملهم بنظام الوكالة عن النواب غير الصحيحة قانونا، يتضح ان التشريعي لم يصدر سوى اربعة قوانين، وان مقاولة اصدار القرارات كانت من اختصاص حكومتهم دون اي سند قانوني، والغالبية العظمى منها لصالح موظفي حماس سواء فيما يتعلق بالترقيات او بتخصيص الاراضي لصالح مؤسساتهم.
وحسب الفترة التي يغطيها العدد الاخير وهي خمسة أشهر، فان معدل الاصدار للقرارات هو 49 قرارا شهريا، مع الإشارة الى ان بعض القرارات قد تشمل تعيين أو ترقية أكثر من موظف، وهذا رقم مرعب اذا ما تمت مقارنته مع العدد الذي سبقه ( 90 ) الصادر في السابع والعشرين من نيسان 2014، اي بعد ثلاثة أيام من تفاهم الشاطئ، والذي اشتمل على قرارات صدرت عن مجلس وزراء حماس على مدار أربعة عشر شهرا، وكان عددها 58 قرارا.
وبمجرد النظر الى القرارات الواردة في " وقائع حماس "، وبقراءة سريعة لمضمونها يكتشف القارئ حالة الاستعجال في إصدار القرارات بشكل مخالف للقانون، القصد منها وضع حكومة الوفاق الوطني عند معالجة ملف موظفي حماس تحت الأمر الواقع، وتثبيت العربة أمام حصان المصالحة.
وإذا ما تم تجاوز الجريمة الفنية بإصدار الوقائع من قبل جهة لا تملك الحق بإصدارها قانونا، وما حمل من اسقاط لشعار دولة فلسطين والابقاء على اسم السلطة الوطنية ، واصدارها تحت اسم ديوان الفتوى والتشريع التابع لوزارة العدل، ووزيرها احد وزراء حكومة الوفاق الذي لا يعلم عنها شيئا، فان الجريمة القانونية التي لا يمكن تجاوزها فيما تضمن من قرارات ومنها، على سبيل المثال لا الحصر تعيين وكلاء نيابة وترقيتهم، والتي نص القانون رقم ( 4) لسنة 2006 الساري المفعول، فيما يخص إجراءات تعيين وكلاء ومعاوني النيابة العامة، أن النائب العام يحدد عدد وكلاء ومعاوني النيابة الذين تحتاجهم النيابة العامة للتعيين بناء على اقتراح من رئيس المكتب الفني، وينظم كشفاً بهم وينسبهم لرئيس السلطة الوطنية لإصدار مرسوم رئاسي بتعيينهم.
أما تعيين القضاة فقد بينت المادة ( 16 ) من قانون السلطة القضائية رقم (15) لسنة 2005، أن التعيين أو الترقية للقضاة يكون بقرار من الرئيس بناء على تنسيب من مجلس القضاء الأعلى بعد توصية من لجنة التعيينات، أو من دائرة التقييم والترقية.
وكذلك تعيين السفراء الذي اقدمت عليه حكومة حماس، فيما نص قانون السلك الدبلوماسي الفلسطيني رقم 13 لسنة 2005 م، في المادة رقم ( 7 ) في الفقرة أن تعيين السفير وتسميته ونقله وإعادته للمقر بقرار من الرئيس بناءً على تنسيب من الوزير. وهذا يوضح بشكل غير قابل للاجتهاد والتفسير أن حكومة حماس حتى لو كانت شرعية، فليس لها صلاحية تعيين السفراء، وفق نص القانون.
ووفق ما أوردت " وقائع " حماس، فقد تم ترقية جنود وضباط إلى رتب سامية في حين ان المادة ( 9 ) من قانون الخدمة في قوى امن الفلسطينية رقم ( 8 ) لسنة 2005، نص فيما يتعلق بشروط التعيين والترقية أن القرار يصدر من وزير الأمن الوطني بتنسيب من القائد العام، الذي يعينه القائد الاعلى ( الرئيس ) في حين ان الرئيس لم يعين احدا في هذا المنصب, وفي القرار 277 الصادر في العدد المشؤوم ورد ما يوضح بشأن العمل بجهاز المخابرات العامة بما يخالف نص المادة ( 13 ) من ذات القانون التي تنص على ان جهاز المخابرات العامة هو هيئة امنية نظامية مستقلة تتبع للرئيس. وبالتالي فان كل ما صدر في هذا من الاطار من قرارات تصبح منعدمة لعدم الصلاحية والاختصاص. ناهيكم عن عشرات قرارات الترقية للفئة العليا وهي ليست من صلاحية مجلس الوزراء، بل مقتصر دوره على التنسيب.
وبالنظر الى مجمل القرارات المنشورة في " وقائع حماس " في العدد 91، يتبين ان صلاحية التعيين او الترقية لتلك الوظائف، إما أن تشترط التنسيب من الرئيس، أو صدور القرار منه، ما يبطل قراراتهم واعتبرها منعدمة لعدم صلاحية من اصدر القرارات باصدارها.
وخلاصة القول ان حماس عندما سلمت الحكومة كانت تعلم يقينا بأن حكومتها مستمرة في حكمها - غادرنا الحكومة ولن نغادر الحكم - وان تم تغيير وزرائها، فقد بنت حكومة عميقة، ستكون صاحبة اليد الطولى اذا لم تتم المراجعة المهنية والفنية لتفاصيل السنوات السابقة وما انتجت، وستكون قد نجحت في الخلاص من تكلفة الإنفاق عبر حكومة الوفاق.