حُكم في غزة وموطئ قدم في الضفة- حسن سليم
المطالبة بالاتفاق بشأن المصالحة في غزة، كون الصورة أصبحت أكثر اتضاحا، واكتمال التشخيص للحالة المستعصية، رأي يجانبه الصواب، رغم طول الفترة التي مرت على الشرخ الذي قطع اوصال الوطن، والجهود المبذولة من قبل عديد الاطراف وكثر الطباخين لإنتاج "المصالحة "، فالشيطان لم يعد زائرا فقط لحالة الشرخ، بل استوطن في التفاصيل، وبنى بيوتا أساسها صالح لبنايات شاهقة.
والفرق بين السلطة الوطنية وسلطة حماس في غزة فيما يتعلق بالمصالحة واستعادة وحدة الوطن، أن الأولى تتصرف أن المصالحة ستحل أن لم تكن اليوم ستحل غدا، سواء بقرار من حماس إذا عقُلت أو بعد ضعفها، أو بسبب وساطات إقليمية، فيما تتصرف الأخيرة على أن الانقسام حالة مؤبدة، وهذا ما يستوجب تحصينها وحمايتها، والتأسيس لمستقبل تعرفه ومحدد تفاصيله لها.
ومما يدلل على صوابية هذا الرأي بعدم إمكانية تخلي سلطة حماس عن حكمها، هو الجواب على السؤال: ما الذي يجعل حركة تتخلى عن حكم دون رأسمال، أو تكاليف؟ وما الذي يجعلها تكون محل اختبار لدى الجمهور مرة أخرى، خاصة بعد انكشاف أمرها، وافتضاح كذب الشعارات التي تفوقت بها على فصائل (م.ت.ف) في الانتخابات السابقة 2006، ومثلت فيها دور الضحية للسلطة بسبب تبنيها خيار المقاومة، وبأنها الزاهدة في الحكم ولكنها تطمع بان تكون المخلص من حالة التيه السياسي ؟ فيما أصبح التيه الصفة الدائمة لحالتنا بسبب جعل الورقة الفلسطينية في جيوب الكثير من سماسرة المنطقة، واصبح الانقسام ذريعة بيد الاحتلال ليتبجح بأنه لم يعد يعرف من يمثل الفلسطينيين.
مخطئ من يعتقد أن الخطوة المقبلة لحماس هي التخلي عن حكمها في غزة، بل هي تعمل من اجل موطئ قدم في الضفة، وبالمناسبة فرصتها واردة، ومن الأسباب التي تشير الى فرصتها في الضفة هي ضعف سيطرة السلطة على الأرض بسبب حصار الاحتلال لها ومحاولة تقويض حكمها، والسبب الآخر هو عدم تجربة أهل الضفة لحكم حماس، وما يعرفونه عنها هو إطلاق الصواريخ على إسرائيل، ومشهد المؤتمر الصحفي للناطق باسم كتائب القسام أبوعبيدة أثناء العدوان على غزة. وهذا كله في ظل حالة تستريح لها مختلف فصائل العمل الوطني لدور المتفرج، وكأن الأمر لا يعنيهم، وعليهم الانتظار لموعد تقاسم الغنائم بعد ضعف السلطة أو انهيارها، والظن أن يبقى لهم من الغنائم شيء.
تجربة حكم حماس لقطاع غزة كانت جلية، وتشير بوضوح الى ان الشراكة مع مكونات العمل الوطني من المحظورات، وان المسموح به فقط على طريقة " اخدمني وأنا سيدك "، باعتبار أن المقاومة وكالة حصرية، وعلامة تجارية يجب أن يصب ريعها لصالح حكم سلطة حماس، وغير ذلك ضباب ليس أكثر.
ومن الشواهد التي تبين ثبات حكم سلطة حماس في غزة، وعدم رغبتها بالتخلي عنه هو الأساس الذي أنشأته، من حيث القوانين والأنظمة التي أصدرتها، وأصبحت ناظمة جبرا وقسرا لحياة المواطنين هناك، كما غيرت أسماء مدارس ومستشفيات، وأنشأت مؤسسات ومراكز بأسماء قياداتها، وأطلقت أسماء أصدقائها وحلفائها وزعاماتها على الشوارع والأحياء، لتعيد بذلك بناء الوعي في القطاع بالخلطة الحمساوية السحرية، ورسم صورته وإظهاره منتجا حمساويا خالصا.