طائرة الرئيس في غزة- حسن سليم
لا تترك سلطة حماس شاردة ولا واردة إلا وتستغلها وتستخدمها، وآخر تقليعاتها كانت ترميمها لطائرة الرئيس الشهيد ياسر عرفات التي قصفتها طائرات الاحتلال.
ترميم مروحية الرئيس ووضعها في وسط المقر الأمني التابع لحركة حماس دون الإشارة لهويتها، لاستخدامها في حفل تخريج لكوادرها ولتكون جزءا من عرض عسكري في الحفل الأمني الذي ستقيمه، ليس بالأمر العفوي، كما هو ليس من باب حفظ الجميل لياسر عرفات وتوثيق تاريخه وتعداد مناقبه.
مروحية الشهيد ياسر عرفات المرممة هي ذاتها التي قصفها الاحتلال الإسرائيلي أثناء عملية "السور الواقي" بعد ثباته في مفاوضات كامب ديفيد، وبعد عمليات حماس التي نفذتها نكاية بياسر عرفات ولتحميله مزيداً من الضغط، ليكون قرار حكومة الاحتلال محاصرته في المقاطعة ومن ثم تدميرها، وكذلك تدمير مقرات المؤسسات الحكومية والأجهزة الأمنية في الضفة وغزة، تلاها التخلص من ياسر عرفات.
ولعل من الأهمية الإشارة الى إن ترميم حماس للمروحية قد سبقه حفلة طويلة داست خلالها عناصرها صور الشهيد ياسر عرفات وتمزيقها، واستباحة مكتبه والعبث بمقتنياته وبيع سيارته، ومؤخرا كان التفجير لمنصات أُعدت لإحياء الذكرى العاشرة لاستشهاده.
وقبل هذه الحفلة وفي الأيام الأولى للانقلاب كان قد سبق لسلطة حماس السيطرة على منزل الشهيد ياسر عرفات والسطو عليه، وتبين لاحقا فقدان الكثير من مقتنياته، والجميع شاهد عملية السطو على المنزل عبر شاشات التلفزة، وخرج علينا حينها صلاح البردويل احد قادة حماس بالتبرير، بان أحدا لم يطلب من حماس أن تسلمه منزل أبو عمار، ولا تعرف حماس الجهة الواجب تسليمها إياه، وأنهم بحاجة إلى حسم مجموعة من الأسئلة، منها معرفة الجهة صاحبة الحق بتسلم المنزل ومقتنياته، متسائلا إذا كان ميراث أبو عمار شخصياً يجب تسليمه لعائلته، أم ميراثاً لحركة "فتح"، أم ميراثاً لمنظمة التحرير الفلسطينية، أم ميراثاً للشعب الفلسطيني، طالبا البردويل ان يتم حسم ذلك عبر حوار وطني مؤسساتي بين الجميع.
وما يجري اليوم يدلل على أن سؤال البردويل كان مقدمة للسطو على التاريخ بعد أن تمكنوا من الحاضر، وأعدوا ما يلزم لبقائهم في المستقبل، ليقولوا اليوم انهم أبناء حركة عمرها عشرات السنين.
حفل التخريج الذي تتوسطه طائرة الرئيس سينتهي، ولكن ستبقى الطائرة دون الإعلان عن هوية صاحبها، ولكن المفاجأة ستكون عندما يقرأ طلاب المدارس في قطاع غزة بعد عشرة أعوام في مناهجهم أن الطائرة هي إسرائيلية تمكنت كتائب القسام من إسقاطها واسر قائدها، من خلال رواية شهودها من الشهداء، ولكن الدليل المادي موجود يتمثل بمجسم الطائرة.
ما يستدعي الانتباه ان ما يجري في غزة في عهد سلطة حماس لم يكن ولن يكون فقط تغييراً مادياً في الواقع، فهذا لم تعد سلطة حماس تسعى له، فقد نجحت عبر السنوات الثماني الماضية بالسيطرة المطلقة على كافة مكونات الحياة هناك، لكن ما يشغل بالها هو تغيير الوعي وغسل الأدمغة للجمهور ولا سيما للجيل الذي عايش مشهد الانقلاب وما تلاه من ويلات، وذلك عبر ماكينة إعلامية و" تربوية " تثبت بقاءهم في الوعي والثقافة المجتمعية، وان كانت عملية التغيير ستتم بالإكراه في بدايتها، إلا أنهم يتوقعون ان تكون لاحقا بالتعود عليها.
ولكن رب ضارة نافعة، بترميم سلطة حماس لمروحية الرئيس الشهيد، فالتاريخ يختلف عن الجغرافيا، حيث تغيير الأخيرة سهلا ويمكن شراؤها أو بالقوة تغيير ملامحها، لكن الأولى تتعلق بدواخل الوعي غير القابل للتغيير، وان كان ظاهره غير ذلك خوفا من العصا أو طمعا بلذة الجزرة. ولعل من المفيد لسلطة حماس أن تعلم أن ذاكرة شعبنا حية، وتستفيد من عدم صحة مقولة ان " الكبار سيموتون وان الصغار سينسون ".