هي لله هي لله، لا للسلطة لا للجاه- حسن سليم
عبارة تدغدغ مشاعر وعقل ووعي كل مؤمن، وكل زاهد في السلطة والجاه، ولكن بشرط صدق تطبيقها والعمل بها، وبحنكة إعلامية كانت قد حرصت حركة حماس وسلطتها على استخدام هذه العبارة كشعار لها، ولكن واقع الحال يقول غير ذلك، لينطبق عليهم " اسمع كلامك أصدقك، أشوف أمورك استعجب ".
في العدد الأخير 91 من " الوقائع الفلسطينية " التي صدرت عن سلطة حماس، وهي بالأساس الجريدة الرسمية التي تصدر عن السلطة الوطنية من خلال ديوان الفتوى والتشريع، حمل بين غلافيه ما يثبت زيف شعارهم، بل كان استخداما فظاً للدين لصالح ابتداع رخصة لمصالح وقوانين جائرة وجوفاء لا ذيل لها ولا رأس، وليس لهذه القرارات منفعة أو أي مردود إيجابي على المواطن، بل لصالح فئة محدودة تتاجر بمصالحه.
فقبل الاعلان رسميا عن تشكيل حكومة التوافق بايام كانت حكومة حماس تواصل الليل بالنهار لاتخاذ قراراتها والمذيلة باسم زياد الظاظا ( نائب هنية ) الذي قال في قرارات مجلسه ان رئيس حكومة حماس قد فوضه بالصلاحيات بما يخوله باتخاذ ما صدر من قرارات، فكانت حفلة من العطايا من قبل من لا يملك لمن لا يستحق. ابرز تلك القرارات ما يتعلق بالاراضي الحكومية، حيث قررت سلطة حماس ونيابة عن مجلس الوزراء جهة التنسيب، ونيابة عن الرئيس بالمصادقة على التنسيب واصدار القرار وفقا قانون سلطة الاراضي رقم 6 لعام 2010، تخصيص اراض لمؤسسات حكومية وجمعيات، وبيع اراض لشركات وافراد واستملاك اراض لغايات متعددة، لتبلغ مساحة الاراضي المتصرف بها خلال الفترة ما بين تفاهم الشاطئ واعلان حكومة الوفاق الوطني ما يفوق 8 ملايين متر مربع، من خلال 68 قرارا، ليكون ما ورد من قرارات التخصيص والاستملاك والتأجير في العدد الاخير 91 يفوق ما تصرفت به سلطة حماس خلال فترة الانقلاب 2007-2014، ولعل ابرز ما ظهر في قرارات التخصيص، ما ورد ذكره بالتخصيص لصالح كتائب القسام، تحت عنوان اراضي للمقاومة، وكذلك التأجير لاراضي الدولة لصالح مشاريع استثمارية.
وفي باب آخر، وكونها لله لله لا للسلطة او الجاه، وقبل اعلان حكومة التوافق بستة ايام وفي العدد 91 من وقائعها، كانت حكومة حماس قد اصدرت في عددها المشؤوم قرارات لجمع الغنائم عبر اقرار امتيازات ورواتب ومكافآت لوزرائها، فكان القرار الذي يحمل رقم 278 لسنة 2013، بشأن تطبيق قانون مكافآت ورواتب اعضاء المجلس التشريعي واعضاء الحكومة والمحافظين، باعلان تطبيقه على كل من عينته حماس وزيرا، اي ليس فقط من كان وزيرا في الحكومتين العاشرة، والحادية عشرة (حكومة الوحدة الوطنية) قبل الانقلاب، بل ومن عينتهم حماس من وزراء بعد الانقلاب، وبالتالي على السلطة الوطنية ان تدفع رواتب الوزراء الذين عينتهم حماس ومن شارك في الانقلاب عليها، بل وحددت لهم من خلال القرار رقم 157 لسنة 2014 في جلستها التي عقدت في غزة بتاريخ 6/5/2014 رواتب تقاعدية ومكافآت وحددت كيفية تقاضيها وتوزيعها.
نعم هي لله لله وليست لسلطة او لجاه، ولهذا وفي سابقة هي الاولى في تاريخ السلطة الوطنية، قرر مجلس وزراء حماس في جلسته رقم 161 لسنة 2014، اعتماد تخصيص حراسات شخصية لمعالي السادة الوزراء المنتهية ولايتهم، حيث نص القرار على تخصيص مرافقين عدد 2 لكل وزير سابق، وتخصيص مرافقين عدد 6 لنائب رئيس الوزراء السابق (المقصود هنا بنائب رئيس الوزراء هو زياد الظاظا وهو ذاته من اصدر القرار مفوضا من اسماعيل هنية)، وكذلك اعتماد عدد غير محدد من الحراسات الشخصية لحراسة رئيس الوزراء ووزير الداخلية والامن الوطني السابقين. وحتى يتأكد صدق النوايا والخوف على المصلحة العامة والمصالحة فان هذا القرار والذي سبقه والمتعلق باقرار رواتب وزراء حماس وحقوقهم التقاعدية، فقد كان موعد صدور تلك القرارات قبل تشكيل حكومة التوافق بستة ايام فقط.
اذا هي لله، اما وزراء السلطة الوطنية السابقون فكان عملهم للجاه، وما دامت كذلك، يكون السؤال مشروعا لماذا لا يتحرك الوزراء السابقين منهم، د. سعدي الكرنز، وحكمت زيد، ود. انور ابو عيشة وخالد القواسمي، ود. صبري صيدم، وحتى د. سلام فياض رئيس الوزراء السابق وغيرهم الكثير بمواكب وحراسات ؟! اليس هم وزراء سابقين وطلاب سلطة وجاه؟
ولكن يبدو ان الدين عند حماس سلعة سهلة للمتاجرة بها، ولو كانت غير ذلك لما قررت حكومة حماس عبر قرارها الذي حمل رقم 179 لسنة 2009، وصدر في وقائعها عدد 76، بشان اعتماد سنوات اقدمية لمن يحفظ كتاب الله من منتسبي الاجهزة الامنية، واقر منح سنتين اقدمية لكل عسكري يحفظ كتاب الله، وسنة لمن يحفظ 15 جزءا, ومن يحفظ عشرة اجزاء يمنح اقدمية ستة شهور اقدمية، على ان يتم اعتماد شهادات الحفظ من قبل وزارة الاوقاف وجمعية دار القرآن والسنة لدى هيئة التنظيم والادارة في وزارة الداخلية.
مستوعب ان يتم منح سنوات اقدمية لطبيب اجرى عملية مميزة، او اكتشف علاجا لمرض مستعص، او لمهندس قدم براءة اختراع، او مثقف قدم عملا ابداعيا مميزا، او عسكريا او شرطيا قام بكشف جريمة معقدة، او واعظا او مؤذنا حفظ كتاب الله، لكن ما علاقة ابن الاجهزة الامنية وتميزه بالعمل بحفظ كتاب الله، والسؤال كيف سيتميز المسيحي، هل سيحفظ الانجيل مثلا.
ما ورد في " الوقائع " وحفلة القرارات الواردة فيها، يستدعي ان يسأل المواطن المسجون تحت سلطة حماس في غزة عن نصيبه من تلك القرارات، التي ان لم تكن لصالح قيادتها بشكل مباشر، كانت لصالح اصدقائها القطريين والاتراك، في حين ان شعار سلطة حماس ان حكمها لله وليس لسلطة او جاه.
والاكثر غرابة ان الموظفين الذين عينتهم حماس، وطالما تباكت عليهم وعلى حقوقهم على طاولة المصالحة, لم يرد قرار واحد يخصهم، لا من باب الحقوق ولا من باب الامتيازات اسوة بقيادة الحركة، بل وزيادة على ذلك قررت حكومة حماس تعيين وترقية 87 موظفا مدنيا في الفئة العليا ومنح رتب سامية لعشرات العسكريين من ابناء المؤلفة قلوبهم ( الاسماء الرباعية موثقة في العدد 91 ).
ولكل ما سبق فان القرارات التي وردت في اعداد " الوقائع " الصادرة عن سلطة حماس، تحتاج تدخلا سريعا ومعالجة قانونية من قبل الحكومة قبل ان ترتب تلك القرارات اثرا قانونيا، وان كان بعضها قد احدث فعلا.