الرئيس "يغرد خارج السرب" - حسن سليم
اثناء العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة في تموز 2014، الذي أطلقت عليه اسرائيل عملية الجرف الصامد، كان واضحاً منذ اليوم الأول للعدوان استهداف الطائرات الإسرائيلية لمنازل المدنيين بقصد تدميرها كإجراء عقابي، وتم الرد عليه بصواريخ وصلت الى عمق اسرائيل، شهد الشارع الفلسطيني فرحة، وشعر البعض بالنشوة - وانا واحد منهم - ليس لانتصار تحقق بل لكون المواطن الاسرائيلي أصبح يشارك الفلسطيني لحظات الخوف ودمعة الالم .
فرحنا في تلك اللحظات كان آنيا وغير مسؤول، بل أنانيا، حيث لم يخطر ببالنا او لم نرغب أن يخطر، أو نتصور المشهد القادم بعد توقف العدوان الاسرائيلي، وماذا سيخلف من دمار، وحجم الموت الذي سيعيش لسنوات في غزة، دون أن يتم دفنه. وكانت نسبة الضحايا الناتجة عنه من المدنيين الفلسطينيين وفق تقارير المنظمات الحقوقية والطبية 86% من مجموع من قتلتهم اسرائيل خلال ايام العدوان، اما الخسائر الاقتصادية فقد وصلت حسب تقارير الاونروا الى ما يقارب 3.6 مليار دولار اميركي .
واثناء فرحنا كان الرئيس ابو مازن يجوب العالم من عاصمة لأخرى يبحث عن بصيص، لم يترك وسيطا الا وتحدث معه، لعله ينجح باجبار اسرائيل على وقف عدوانها، ويقنع حماس بقبول المبادرة المصرية، دون ان يكترث بما تضخه ماكينة حماس الاعلامية من نشيد الانتصارات، ودون ان يلتفت لما قد تسببه تصريحاته من تراجع لشعبيته في الشارع، وقال حينها جملته المشهورة : "اريد ان احمي شعبي، ولا اريد شعبية، ولا اريد ان يهتف لي أحد". وكان موقفا يعكس شخصيته وما تتمتع به من شجاعة سياسية ومعنوية، التي لا تجامل على حساب المصالح الوطنية حتى لو خسر شعبيا، بخلاف من استحب ان يحتمي بشعبه، ويختبئ بملاجئ مؤسساته، حيث ان القائد هو من يحمي شعبه ولا يحتمي به. ونذكر ايضا ما قاله في حينها لقناة الميادين "إن أهالي غزة وقود لتجار الحرب وأنا ضد هؤلاء التجار من الجانبين" . وكانت الجهود حينها لاقناع حماس بقبول المبادرة المصرية التي تم الاعلان عنها في الثالث عشر من تموز 2014، اي في غضون اسبوع من العدوان، وكان عدد الشهداء الذين سقطوا 172 شهيدا، ورفضتها حماس لتقبلها لاحقا بعد مضي خمسين يوما، حتى وصل العدد الى 2174 شهيدا مع توقف العدوان، وجرح ما يفوق 11100 مواطن، وتدمير اكثر من 10 آلاف منزل، قابله مقتل 72 اسرائيليا.
موقف الرئيس ابو مازن في حينها صنفته حماس وفسرته وفق قاموسها السياسي بأنه تغريد خارج السرب، ووفق قاموس الشارع الذي يفضل الفرح اللحظي، غير المكترث بالنتائج والحاسب لنتائج الافعال، كان بأنه تجذيف ضد مزاجه. بالمقابل كان الرئيس ابو مازن يفكر في المرحلة التي تلي العدوان، يفكر بالماء الملوث الذي سيضطر المشردون من منازلهم لشربه، بالمكان الذي سينامون فيه بعد تحول منازلهم الى ركام، والجرحى النازفين وعدم توفر ما يحتاجونه من علاج ودواء، وقائمة طويلة من اشكال المعاناة التي ستظهر بعد رفع الركام، وكان له ما توقع .
انتهت الحرب وكانت حفلة الاعلان عن الانتصارات، وكل أدلى بدلوه ، وعلى اسر الضحايا الذين تم تبشيرهم بان نتنائج النصر قادمة، ومنها رفع الحصار وتشغيل المطار لتسهيل حركة المواطنين بالسفر دون التأثر باغلاقات معبر رفح المصري، او معبر بيت حانون " ايريز" .
اليوم احدى بشائر النصر الموعودة قد هلت، والمتمثلة بالمطار الذي تبلور وتطلق فكرته مجموعة تطلق على نفسها "مشروع المساعدة الموحدة" مبادرة غير رسمية وغير سياسية لإنشاء مطار في قطاع غزة بإدارة الأمم المتحدة. تقول عن نفسها انها تعمل على تأسيس المشروع كمنظمة إنسانية في الولايات المتحدة في الوقت الحالي، بينما يتم انشاء قنوات اتصال مع مختلف الأطراف والأفراد لتطوير صيغة عملية لكيفية تشغيل المطار. وحسب التفاصيل التي اوردتها المجموعة فان إدارة المطار ستكون غير فلسطينية، وذلك من اجل ازالة اية تخوفات امنية اسرائيلية، وأن صيغة المشروع المقترح للمطار المقترح تتعامل مع الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية بحيث لا يشكل المطار تهديداً لإسرائيل، كما أن المطار المقترح سيكون وسيلة إغاثية وطريقة لتسهيل سفر فئات معينة من سكان غزة مثل المرضى والطلاب وذوي الحاجة الماسة للمغادرة أو العودة إلى القطاع، وليس مفتوحاً للكافة لاستخدامه، كما أن الطائرات ستقوم بنقل الركاب من غزة إلى ثلاث أو أربع نقاط في تركيا، وتونس، والجزائر أو المغرب .
فكرة المطار، كما عديد الوعود التي اطلقتها حماس لجمهورها، وصولا الى "غزة السعيدة " يبدو انها ستحتاج الى حربين اخريين، خلافا للحروب الثلاثة التي عاشتها غزة واخرها في العام المنصرم بعد حرب 2012، و 2008. فيما سيبقى الرئيس يغرد خارج السرب يرفض ان يكون شعبنا وقودا وحطبا لتجار الموت، حتى لو خسر شعبية شخصية، لم يكن باحثا عنها.
ولكن العجيب في التصنيف، ان من يرفض اطلاق الصواريخ حماية لابناء شعبه من ردة فعل مجنونة، ووصفها بالعبثية يكون مغردا خارج السرب، في حين ان من يخيط الفتاوي الشرعية بتحريم اطلاق الصواريخ في فترة معينه، حماية لمصالح فئة حاكمة، ومن يقتل من يطلقها، وكما وصفها الزهار بالخيانية، وكما ورد وصفها بالامس على لسان البرديول بالسافلة والساقطة، وقامت كتائبهم باعتقال مطلقيها، كون اطلاق القذائف الصاروخية يتنافى مع المصلحة الوطنية الفلسطينية، وفق البردويل، الذي يصنف نفسه ممانعا ومجاهدا.
لن يغرد الرئيس وحده خارج السرب، بل سيجد الكثير من العقلاء يغردون معه، حتى يعود السرب المتوهم والمخدوع، بجنة تم تخصيص ارضها، وبمطار لن يكون لنا، وبميناء سيقى عائم.