توني بلير.. ثماني سنوات من الخداع ونشر الخراب- احمد سيف
استقال توني بلير أو لم يعد هناك مبرر لاستمرار تغطية دوره ممثلا للرباعية ..لا فرق. ثماني سنوات عجاف على تعيين بلير مبعوثاً للجنة الرباعية عام 2007، ظل خلالها وفيا لسياسات الادارة الاميركية ومدافعا حقيقيا عن سياسات اسرائيل وخادعا في ادعائه العمل لوضع أسس الدولة الفلسطينية.
في اليوم الذي أجبره قادة حزب العمال الحاكم آنذاك في بريطانيا، على الاستقالة بسبب دوره في غزو العراق، أصرت واشنطن والرئيس بوش الابن بالرغم من معارضة موسكو، على تعيينه ممثلا للرباعية، مكافأة له على دوره في غزو العراق ولأنه أصبح أكثر قربا من سياسات المحافظين الجدد في واشنطن.
في غياب المبادرات اثر انسحاب اسرائيل من قطاع غزة وفرضها حصارا ما زال متواصلا، حاول بلير في العام 2008 تسويق خطة لإحلال السلام، تعتمد على تطوير الاقتصاد الفلسطيني وربطه بمصالح الغرب وإسرائيل.
كثير من الكلام، ومقر اقامة بتكاليف ضخمة في فندق الأميركان كوليني (15غرفة محجوزة لأربع سنوات) وتكاليف حراسة من الأمن البريطاني وأكثر من مئة زيارة للمنطقة وعشرات الخبراء والمستشارين على نفقة الامم المتحدة والنتيجة بعد قرابة ثماني سنوات أرشيف من الكلام والتصريحات عن جهود بناء أسس الدولة الفلسطينية و"العملية السلمية".
أدرك الفلسطينيون مبكرا عقم مهمة بلير لكنهم أملوا ان تشكل مشاركة الامم المتحدة وموسكو والى حد ما الاتحاد الاوروبي، نوعا من التوازن والدور الدولي المغيب دائما غير ان ذلك لم يحدث وارتبط نشاط بلير بالتطورات ومحاولات التهدئة والاحتواء في ظل سياسات اسرائيل الاستيطانية وافشال حل الدولتين.
كثيرا ما تحدث عن ازالة حواجز غالبا ما اعادت اسرائيل وضعها لاحقا وعن قلقه تجاه الأحداث الجارية في إسرائيل والأراضي الفلسطينية (لا يقول المحتلة بالطبع)، بما في ذلك مقتل المدنيين الفلسطينيين، والاعتقالات واسعة النطاق. طالب إسرائيل بضبط النفس عندما تعمل في المناطق الفلسطينية المأهولة –بما في ذلك في غزة- والتأكد من عدم المساس بالمدنيين، وطالب بـ خطوات للحد من العقبات أمام حرية الحركة والوصول في الضفة..كلام مكرر في مئات التصريحات الغامضة وكلها تخلو من الإقرار بأن الاحتلال الاسرائيلي هو المشكلة الرئيسة.
جهود بلير لم تتجاوز في الحقيقة سعيه لتحسين الظروف تحت الاحتلال. لم ترتكز اي من خططه على حق الشعب الفلسطيني بأقامة دولة مستقلة (وليس قابلة للحياة فقط كما اخترع وظل يردد طوال الوقت) يبني فيها اقتصاده وفق خطط وسياسات يقررها ممثلو الشعب المنتخبون وليس وفق اجندات ترضي اسرائيل ومصالحها. وفي النهاية، شكل الكلام وعملية لا تنتهي في ضع خطط لتطوير الاقتصاد الفلسطيني -حتى وفق أوليفر مايكل السفير البريطاني السابق في ليبيا- غطاء لتجنب القضايا الحقيقية التي يعاني منها الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال.
في السياق هذا عارض بلير جهود انضمام فلسطين الى الامم المتحدة واعتبرها مسألة "تثير صدامات عميقه". أخطر من ذلك حض الحكومة البريطانية المحافظة بقيادة ديفيد كاميرون الأقرب الى اسرائيل، على عدم تأييد المسعى الفلسطيني وربط الدبلوماسية البريطانية بتأييد المسعى الفلسطيني بتعهدات وضمانات دولية وفلسطينية لإسرائيل لا يمكن قبولها لأنها تفرض التزامات قاسية طويلة الأمد تحد من الحقوق الفلسطينية خاصة حق العودة والتعويض والاستقلال الفلسطيني الحقيقي.
عرف بلير بالمماطلة والكذب وربطته علاقات وثيقة بالمفاوض الاسرائيلي إِسْحق مولخو، وبالمبعوث الاميركي الصهيوني للمفاوضات دينيس روس. وانتقد مسؤولون فلسطينيين مرارا سياسة بلير وتصريحاته.
الدكتور نبيل شعث قال عن بلير انه "يتحدث كدبلوماسي إسرائيلي"، وخلال جهود الفلسطينيين المبكرة للانضمام للأمم المتحدة عارض بلير التوجه الفلسطيني حتى انه أصدر بيانات باسم "الرباعية" دون استشارة أحد كما ثبت رسميا اثر اجتماعه مع الرئيس ابو مازن في عمان الذي سأله عن تحركاته وبياناته وهل تمت بالتنسيق مع أطراف "الرباعية" وادعائه ان الرباعية تعلم غير ان موسكو والامم المتحدة أكدتا عدم اطلاعهما على بيان بلير الذي صيغ بالتنسيق مع روس ومولخو ويدعو الى استئناف المفاوضات والتخلي الفلسطيني عن مسعى الانضمام الى الامم المتحدة.
يعتبر بلير الآن على نطاق واسع منظرا يمثل المحافظين الجدد ايديولوجيا، وكان مبكرا في دعوته لمواجهة الاسلام السياسي واتباع سياسة غربية للتعامل مع "الربيع العربي" وسياسات المنطقة بهدف التدخل ورسم حدودها، على غرار ما حدث في "سايكس بيكو" عشية الحرب العالمية الاولى. ونجح في الاحتفاظ بموقع وهمي تحت مسمى مبعوث السلام الدولي في الشرق الأوسط، عبر الكثير من الدعم الاميركي والاسرائيلي وأقام امبراطورية استشارات وخدمات شرقا وغربا لكنه فيما يخص عمله الرئيس كممثل للرباعية، فشل في مساعدة الشعب الفلسطيني على التخلص من الاحتلال واقامة سلام عادل وفق قرارات الامم المتحدة ومجلس الأمن كما نص تخويل تأسيس الرباعية.
اثر انتهاء مهمة جون كيري الى الفشل، عاد بلير الى المنطقة وعادت تصريحاته وجولاته ولقاءاته، لم يقل كلمة عن مسؤولية اسرائيل في إفشال جهود كيري كما فعل مسؤولون اميركيون..كانت مهمته ملء الفراغ بالحديث عن السلام وعن مجهودات اقتصادية وإزالة حواجز وضبط نفس الى آخره .. ليس غيره من يمكنه فعل ذلك بعد نشر كل هذا الخراب وهذه الدماء الذي سببته سياسات واشنطن ولندن ما بين بغداد والقدس مرورا بدمشق وكان بلير طوال الوقت مشاركا وشاهدا.