العلاقة الفلسطينية – الاردنية وعبث الاشرار - حسن سليم
كثيرة هي محاولات العبث والتخريب للمس بالعلاقة التاريخية الفلسطينية – الاردنية، ولكنها بوعي العقلاء سرعان ما تبوء بالفشل، فكانت كمن يحاول فاشلا فصل الحليب عن الماء.
هي وحدة المصير، ونتاج علاقة مختلطة من النسب والدم، والجيرة في الجغرافيا والتاريخ قبل السياسة، وعلاقة تجسدت بوعي من يديرون العلاقة السياسية بينهما، فكانت ولا تزال قائمة على التشاور الدائم، ودعم المواقف كل طرف للآخر. وما كان لتلك العلاقة ان تنمو وتزهر وتثمر لولا الارض الخصبة لها، وتوفر الرغبة والامكانيات الذاتية لدى كل طرف، والموضوعية من بيئة المجتمع الداعمة لها.
وبالعودة الى التاريخ فقد كان ما يعرف بقرار فك الارتباط، وهو القرار الذي اتخذه العاهل الأردني الملك حسين عام 1988 بإنهاء ارتباط الضفة الغربية إدارياً وقانونياً مع المملكة الأردنية الهاشمية حيث كان يعرف هذا الارتباط باسم وحدة الضفتين، ليشكل البداية واللبنة الاولى لدعم القرار الفلسطيني المستقل لتقرير مصير شعبنا والسير نحو الاستقلال واقامة الدولة، فتلاه الدعم والمؤازرة لقيادة منظمة التحرير اثناء مفاوضتها مع اسرائيل من خلال الوفد المشترك في مدريد عام 1991، والذي لقي فيه الوفد الفلسطيني برئاسة د.حيدر عبد الشافي الرعاية والدعم السياسي والفني ليكون قادرا على تسلم زمام الامور في اشتباكه السياسي مع اسرائيل، وكان حينها الرئيس عرفات والقيادة غائبة عن حضوره، لكنها كانت حاضرة بخطابها وجملتها السياسية، وما كان ذلك ليحدث لولا الدعم والرعاية الاردنية والتنسيق العالي بين الطرفين.
وفي مقابل هذه التوأمة في العلاقة فان محاولات التخريب للمس بالعلاقة الفلسطينية -الاردينة لم تتوقف رغم كل المحاولات الفاشلة لها، بل بقيت في رهان دائم، يتم الاعداد الجيد لها، على امل النجاح لخلط الاوراق، وبث الفرقة وبذور الفتنة وسقيها بماء الكراهية للمصلحة والمصير المشترك الذي لا بديل عنه.
اسرائيل كانت ولا تزال اللاعب الاول في هذه المشاغبة، وبلا منافس، وعندما يستصعب عليها الظهور علانية تدفع بمن ينوب عنها، او بأحد وكلائها ليحقق لها ما تريد، بعد أن فشلت في مشروعها التاريخي المتمثل بالوطن البديل للفلسطينيين، الذي واجه سدا منيعا من قبل الاردن وقيادته، والفلسطينيين وقيادتهم.
وليس بعيدا عن المخطط الاسرائيلي كانت ثلة الساعين لتخريب العلاقة الفلسطينية – الاردنية، وان لم ينسقوا المواقف فيما بينهم، فكل له مرجعيته، وكل له وسائله، لكن تجمعهم وحدة الهدف والمصلحة. فمن أساء للشيخ احمد هليل في المسجد الاقصى مؤخراً، بالتأكيد لم يكن يقصد الشيخ هليل بشخصه، بل استهدف طيب العلاقة الفلسطينية- الاردنية، طمعا في تخريبها، فالرجل لم يشتبك معهم ولم يسئ ولو بجملة واحدة، بل كان في حضوره رمزية كبيرة تعبر عن الاستجابة السريعة لدعوة القيادة الفلسطينية للعرب للقدوم ونصرة القدس ومؤازرة السجين في المعتقل، وتأتي ايضا في اطار المتابعة الدائمة للهاشميين للمسجد الاقصى والمقدسات في القدس، ولم ينطق الشيخ هليل من على منبر صلاح الدين سوى بـ "اللهم اجعل هذا البلد آمنا ".
ومؤخرا كانت المحاولة بافتعال أزمة على اثر انتخابات "الفيفا"، والاشاعات حول عدم تصويت فلسطين لصالح الامير علي بن الحسين، وهو ما تم نفيه واثبات عكسه من قبل الطرفين، وما الطريقة التي تم اخراج الاشاعة بها من تدبير بليل، وتزوير، الا بينة واضحة على أن هناك ماكينة بل مؤسسة تقف وراء ذلك، ويديرها مجموعة من الاشرار السياسيين تسعى جاهدة للعب هذا الدور بما يحقق مصالحهم ومصالح الدوائر العاملين فيها.
ان المعالجة الحكيمة من الحريصين للازمة المفتلعة، والتي تمثلت بزيارة الرئيس ابو مازن لبيت الامير علي بن الحسين، وما تلاها من زيارة لرئيس الوزراء د.رامي الحمد الله، وما بينهما من توضيح للواء جبريل الرجوب لحقيقة ما حدث ونفيه لخزعبلات لا تقنع عاقلا، وللتأكيد على عمق تلك العلاقة ووحدة المصير، وما قابله من مواقف من القصر الملكي ومن الامير علي والاميرة هيا، انما تدعو الاشرار للتوقف عن ممارسة تلك الهواية، وعدم العودة لها، كون مصيرها سيكون الفشل كسابقاتها، كما يطمئن العلاقة المشتركة بانها في أيد أمينة وحريصة على مستقبلها وتطويرها وحمايتها من العابثين. وما حدث من عتب اردني على اثر اشاعات الاشرار، فهو مستوعب فلسطينيا، فالعتب على قدر المحبة.