أهلين علاقات دولية وجنسيات- ياسر المصري
ليس الإنقسام وحده الذي شكل ويشكل الخطر الحقيقي على القضية الفلسطينية ، وليس ما يحدث في الإقليم والمنطقة من إشعال لساحات قتال دامية وسقوط للدولة ونشوء أشباه دول وحده ما يحقق مصالح إستراتيجية لدولة الإحتلال الإستيطاني ، بل إن ما يحدث في المنطقة يحمل في أعماقه وأبعاده إستهداف للشتات الفلسطيني بمخيماته وتجمعات اللجوء الفلسطينية التي نشأت بفعل النكبة والنكسة ، وقد يكون بدأ هذا الإستهداف في العراق إذ أمسى اللاجؤون الفلسطينيون الذين كانوا في العراق مشتتون ما بين دول أوروبية ودول امريكية اللاتينية ، مع ما يحدث اليوم للاجئ الفلسطيني في سوريا من تهديد حقيقي لحياته لدفعه للجوء من جديد إلى دول أوروبية وغيرها ، وما حدث ويحدث للمخيمات الفلسطينية في لبنان التي كان نموذج فيها مخيم نهر البارد ، وبشكل عام وأدق هناك سعي حثيث لإسقاط المخيم والخيمة التي تعبر عن ركيزة اساسية في الصراع الممتد منذ عقود وهذا بالضرورة يؤكد وجود نكبة جديدة يتعرض لها اللاجئ الفلسطيني وهي ليست بمعزل عن محاولات الإحتلال واعوانه من ضرب وإنهاء للمشروع الوطني الفلسطيني.
وقد كان لهذا المشروع الإحتلالي أدوات ساهمت ومازالت حتى هذه اللحظة و تعمل على خدمة اجندة التصفية وإنهاء القضية الفلسطينية ، بدءا من إخراجهم للمسيرات ضد الرئيس الشهيد ياسر عرفات وهو في الحصار حين رفعوا شعارات إصلاح المؤسسات ورفض الفساد(شعارات إدعاء لحشد تأييد شعبي حول هذه الأدوات) وكان ذلك ليس إلا لكسر الغلاف الشعبي عنه(الرئيس المحاصر عرفات) ووضعه في دائرة الإبتزاز والضيق ، مرورا بمساهمتهم بإسقاط غزة وتعميق غرور حركة حماس لتمضي بالإنقلاب وما رافقه ذلك من تهيئة بيئة الإنقلاب من قتل للجنرال الفلسطيني موسى عرفات وغيره من القادة والوطنيين في غزة ، وهي نفس الأدوات التي إنقلبت وتنقلب على المشروع الوطني وتعبث في المخيم الفلسطيني (لبنان والداخل) لتعميق ضرب الوعي الوطني والمساهمة في كسر الغلاف الشعبي وتمزيق الإجماع الوطني ، مرتدين ثوب جديد قديم بإدعاء النزاهة و الحرص على الوطن والشعب الفلسطيني .
فعوائل الشهداء لا تحتاج ل 5000 دولار بقدر حاجتها ويقين الأمانة أن لا يذهب دماء أبناءها هدرا ، وإدعاء أن الوصفة منقرضة سوى بهم كمخلصين للشعب الفلسطيني من أزماته ومشاكله اليومية والمستقبلية ، غير ان المتابع للشأن الفلسطيني يجد وجود هذه الأدوات في كل ما يخدم مصالح الإحتلال ويزكيهم ليكونوا في خانة الإدعاء والتضليل، فحتى إدعاء التمتع بعلاقات دولية متينة (إدعاء تسخيرها لخدمة مصالح لدول عربية كمصر والإمارات) يشوبها الكثير من الشك والتساؤل نظرا لحجم علاقة دولة الإحتلال بهذه الدول المقصودة وتمتع الموساد الإسرائيلي في هذه الدول بحضور مميز ولافت للنظر .
فقد كانت أثيوبيا ثاني دولة إفريقية تعترف بدولة الإحتلال الإستيطاني بعد ليبيريا العام 1956 ، وما تمثله إثيويبا من أهمية إستراتيجية مميزة على صعيد الفهم للأمن القومي الإسرائيلي نظرا لسيطرتها على 80% من منابع نهر النيل والذي يشكل لمصر العربية شريان الحياة وما تمثله اثيوبيا من أهمية إنطلاقا من القاعدة الإسرائيلية بأهمية عقد تحالفات أمنية مع ما كان يسمى طوق دول الطوق ، وما تمثله من بعد إستراتيجي بالهيمنة على شريط حيوي من البحر الأحمر وكذلك بهيمنة اثيوبيا على دولة شمال الصومال التي تخدم الهيمنة على جزء مهم من هذا البحر ، وقد إستفاد الموساد الإسرائيلي من النزاعات الداخلية لأثيوبيا وشكل في هذه الدولة اهم قاعدة تجسس على مصر العربية والسودان والسعودية ، إضافة لقيمتها الإستراتيجي لما تتمتع به من موارد طبيعية وخصوصا الماس الذي تعد إسرائيل من اهم دول تصنيعه ، فليس غريبا أن ترتبط أدوات دولة الإحتلال بهكذا دولة وتتمتع بعلاقات مميزة معها نظرا لتميز علاقات الموساد الإسرائيلي بهذه الدولة .
غير أن لصربيا إمتياز اخر من العلاقات مع دولة الإحتلال الإستيطاني من حيث التساوق في المنظور للقانون الدولي لكل من فلسطين وسراييفو ،ورغم أن العلاقات الرسمية اعلن عنها ما بين صربيا ودولة الإحتلال الإستيطاني العام 1992 غير إن إستثمارات دولة الإحتلال بلغت في صربيا العام 2012 أكثر من بليون يورو وهذا بحسب تصريحات رئيس الوزراء الصربي في ذلك الوقت ، فليس غريبا لصربيا أن تمنح الجنسية لمثل هذه الأدوات في سبيل خدمات مقدمة ليس من قبل أفراد بقدر ما هو مؤسسات منظمة ولها أهداف عليا يتم العمل على تحقيقها ، ومن هنا يكون حجم الدور في تسويق وترويج السلاح الصربي بإشراف إسرائيلي ، مع عدم إغفال أن عميل الموساد الإسرائيلي مقر إقامته بعد كشفه هي سراييفو ، فهذه المناطق بؤرة لنشاط الموساد الإسرائيلي الأمن .
الرئيس الفلسطيني والقوى السياسية والشعب الفلسطيني قد يكونون مطالبين اليوم بإجراء أخر بعد ان عزلت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أمين سرها السابق ياسر عبد ربه ، فقد قدم هذا المذكور(ياسر عبد ربه) بإسم الشعب الفلسطيني ونيابة عن لاجئيه ودون تفويض شعبي حقيقي يمثل كل شرائح المجتمع الفلسطيني وتحديدا لاجئيه مبادرة (مبادرة جنيف) وصرفت عليها الأموال وأيضا بإسم الشعب الفلسطيني وكان القصد من هذه المبادرة خلق حراك سياسي بالشراكة مع مجموعة إسرائيلية ، لتحريك عملية السلام أثناء حصار الرئيس عرفات، وإمتازت هذه المبادرة بأنها قدمت تنازلات سياسية وفرطت بحق العودة وكان سقفها السياسي ما دون السقف الرسمي رغم أن المعهود والمتعارف عليه ان المبادرات الشعبية يكون سقفها أعلى من الموقف الرسمي ، ففي ظل إنكار المجتمع الإسرائيلي لحل الدولتين (نظرا لعدم وجود رفض حقيقي من هذا المجتمع للإحتلال ) فقد أن الأوان لسحب هذه المبادرة والتي لم تأتي سوى بالترويج في الوعي المجتمعي والشعبي الفلسطيني لحالة القبول بالإحتلال(برامج التطبيع مع المحتل بالمجان ودون مقابل سياسي) .
لقد أقدم الإحتلال كعادته للإعتماد على الكثير من المشاريع والأدوات لتصفية المشروع الوطني الفلسطيني ، وفي كل مرة كان مصيره ومصير أعوانه وادواته الفشل والإندحار ، فالشرعية في المجتمع الفلسطيني لها إمتيازها كإمتياز هذه الشعب فهناك الشرعية التاريخية والوطنية التي لن يستطيع أحد مهما بلغ من قدرة العبث من تجاوزها أو كسرها وكل هذه الأدوات تدرك ما بينها وبين نفسها أنها بكل فهلويتها و إدعاءاتها مشكوك بها حد الرفض وأن لا يمكن لها أن تصل لمنالها سوى انها تحاول بما أملي ولقنت من دور على محاولات المرور والعبث بالإجماع الوطني الفلسطيني ، والذي يمكن ان يتم حمايته وفق حوار وطني وشعبي عريض يمثل كل شرائح المجتمع الفلسطيني ، ويساعد حركة حماس للإستفاقة من الغرور وأحلام الإمارة الصغيرة، حتى لا تمر هذه الأدوات والتي تشكل نفس الخطورة على كل أبناء الشعب الفلسطيني .