ابو مرزوق، سكت دهرا ونطق كفرا- حسن سليم
يبدو ان المراهنة على عقلانية في صفوف قيادة حماس لم تعد مجدية، والامل بتعلم الدروس والعبر من كل ما يجري لنا، وبنا، غير وارد.
موسى ابو مرزوق وهو احد قادة حماس البراغاماتيين، والذي طالما تم التعويل عليه وعلى آخرين بإحداث اختراق في عقلية الرفض للمصالحة، واقناع زملائه في المكتب السياسي ومجلس الشورى بضرورة تطبيق ما تم التوافق عليه في عديد المصالحات، وفتح المجال لمرحلة جديدة، تساهم في ازاحة صخرة الانقسام عن صدر المنكوبين في قطاع غزة، وذلك بحكم اغترابه عن دموية الاقتتال ومشاركته الفعلية بالقتل، وعلمه بحقيقة ما يحدث على الارض وما خلفه الانقلاب من دمار سياسي واجتماعي واقتصادي وراح ضحيته الآلاف من الابرياء.
بعد طول غياب يطل ابو مرزوق ليقدم حلولا ومخرجا للازمة، لخصها بالشق الاقتصادي بالاعتراف بالموظفين الذين عينتهم سلطة حماس، وبدفع رواتبهم، وفي الشق السياسي باجتماع لما أسماه بالاطار القيادي المؤقت, مقدما عرضا من بلد لم يسمها لاستضافة الاجتماع، واجتماع فصائلي مواز لتسمية حكومة التوافق.
واضح من خلال ما نطق به ابو مرزوق، ان تغيير الحال من المحال، فذات العقلية وذات المنهجية هي السائدة، وما تسعى اليه حماس هو اشغال الجميع في البحث فيما يثبت حكمها في قطاع غزة وان لم تكن تحت مسمى حكومة، وتوفير الشرعية لنظامها باعتبارها امر واقع من الصعب تغييره، والصرف عليه باعتباره حق.
ويتضح مما طرحه ابو مرزوق، وسبقه العديد من ناطقي الحركة، ليس من باب المناورة بقدر ما هو ضمن خطة تفاوضية نجحت قبل ذلك في تحصيل مكاسب لها، كما نجحت في استقطاب دعم لها اسهم في استمرار بقائها وأخر زولاها، وذلك بفضل نجاح ماكينة الحركة الاعلامية وقدرتها على تصوير الامور بالالوان التي تريد.
ما هو خطير ويستدعي الانتباه مما نطق به ابو مرزوق هو القفز عن الآثار السياسية للانقلاب، وعدم تنظيف تبعاته، والبدء بنقاش قضايا ثانوية وتفصيلية، كان يمكن ان تكون من الماضي وتم حلها لو تم حل المشكلة الاساس بالعودة للحياة المدنية في ظل نظام سياسي واحد والخضوع لقانون واحد.
بالطبع لا احد ينكر اهمية وجود اطار وطني عريض يضم كافة الاطياف السياسية والفكرية ومختلف القطاعات، على الا يكون بديلا عن المثل الشرعي والوحيد الذي ارتوت لاجله الارض بدماء آلاف الشهداء، دون غض البصر عن ضروره اصلاحه وتفعيل مؤسساته، وذلك لا يكون الا بالشراكة لا بالمحاصصة. كما لا ينكر حق الموظفين باجور عن عملهم، لكن ذلك ايضا لا يمنع الالتزام بقانوينة توظيفهم، حتى يتم المطالبة باجورهم. ولا احد يشكك بأهمية التشاور فيما يخص تشكيل الحكومة، لتوفير شبكة حماية وامان لها، لكن الحكومة التي حملت اسم التوافق الوطني بقيت على مدار عام حبيسة الضفة، غير مسموح لها ان تزاول مهامها في قطاع غزة، لتبقى حبرا على ورق، وهي بالاساس نتاج مشاورت وموافقة من قبل حماس.
لكن ابو مرزوق الذي فقد رئاسته للمكتب السياسي لحركة حماس في فترة التسعينات، وتسلمها من بعده خالد مشعل، ليتفرغ لجمع الاموال واعادة بناء الحركة في الازمات، يحاول اليوم استعادة مكانته كرجل صاحب مواقف متشجنة لصالح عناصر الحركة ومدافعا شرسا عن مصالحها (في العلن)، وكان الاولى به العمل على تأسيس وبناء ارضية سياسية تضمن البقاء لحركته وعناصره من خلال المشاركة في النظام السياسي وليس بديلا اعرج عنه، والعيش بطمأنينة مع شعبه وليس على حساب مصالحه.