عضوية اليونسكو.. هل هي ضربة في الخاصرة الإسرائيلية؟ د. عادل محمد عايش الأسطل
حصلت فلسطين، على العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة " اليونسكو"، خلال التصويت الذي جرى في مقر المنظمة في العاصمة الفرنسية "باريس".
فبعد أن أوصى مجلس إدارة "اليونسكو" قبول فلسطين في صفوف المنظمة، صوت لصالح انضمامها بأغلبية 107 دولة، مقارنة مع 14 فقط، عارضت الانضمام الفلسطيني، ومنها الولايات المتحدة وكندا وألمانيا، وامتنعت 52 بلداً عن التصويت، من بينها إيطاليا وبريطانيا، في حين أن ممثلي بقية الدول الأعضاء "20 دولة"، لم تكن موجودة أثناء التصويت، وكانت من الدول التي دعمت الطلب الفلسطيني، بعض القوى الكبرى، ومنها فرنسا وإسبانيا والصين وروسيا والبرازيل والهند وغيرها من الدول العالمية المهمة.
وكانت السلطة الفلسطينية، قد خاضت معركة سياسية ودبلوماسية شديدة، داخل وخارج أروقة المنظمة، بغية الحصول على الاعتراف الكامل من قبل المنظمة، وفور انتهاء التصويت لصالحها، رحبت بالقرار، الذي اعتبرته مكسباً هاماً، وخاصةً من قبل مثل هذه المنظمة الأممية الهامة، ومن جانبها أيضاً رحبت "حركة حماس" بالقرار، إلى جانب العديد من القوى والأحزاب الفلسطينية، وكذلك الدول العربية والإسلامية، والكثير من الدول الصديقة، التي اعتبرت الخطوة بالمهمة، وأعلنت عن تضامنها ودعمها "الثابت" للشعب الفلسطيني في كفاحه لاسترجاع حقوقه الوطنية من خلال إقامة دولة ذات سيادة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشريف.
لكن وزيرة الخارجية الأمريكية كان لها رأي مختلف، حين دعت منظمة "اليونسكو" إلى إعادة النظر في مسألة انضمام السلطة الفلسطينية إليها. وكان جاء التصويت في ظل ضغوط وتهديدات أمريكية وإسرائيلية مكثفة، حيث قالت وكيلة وزارة التعليم الأميركية في الجمعية العمومية لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)"مارثا كانتر" :"إن التصويت على انضمام الفلسطينيين لليونسكو، سابق لأوانه وسيؤتي بنتائج عكسية".
ومن جانبه قال مندوب إسرائيل لدى المنظمة: إن التصويت في اليونسكو يضر بفرص محادثات السلام الإسرائيلية- الفلسطينية".
وكان وزير الخارجية الفلسطيني "رياض المالكي"، من خلال التطمينات من قبل غالبية كبيرة من الدول الأعضاء، لصالح انضمام فلسطين للمنظمة، قد عمل إلى جانب السفير الفلسطيني في اليونسكو "إلياس صنبر" وأشارا إلى جدية الفلسطينيين في سعيهم للحصول على قرار العضوية الكاملة لفلسطين لدى المنظمة، على الرغم من أن الأمم المتحدة، لم تعترف بها حتى الآن، وكان اتخذ القرار على الرغم من الجهود الدبلوماسية الكبيرة من جانب كل "إسرائيل" والولايات المتحدة، اللتان عارضتا الخطوة الفلسطينية، حتى أنهما هددتا بقطع التمويل الذي تتيحه كل منهما للمنظمة، إذا تقرر لصالح السلطة الفلسطينية عضوية كاملة.
لقد ناضل الفلسطينيون من أجل بلوغ هذا الهدف، بالرغم من التهديدات الأمريكية والإسرائيلية حيث اعتبروا أن يكون الهدف التالي من وراء قرار اليونسكو اليوم، هو إعطاء دفعة للجهود الرامية إلى كسب مهم، خلال المناقشة الجارية على طلب عضوية فلسطين في مجلس الأمن، والذي من المتوقع أن يجري التصويت عليه، خلال الشهر الجاري أو الشهر المقبل.
وفي هذا السياق يبرز عدداً من الأسئلة المهمة والمُثارة، والتي هي الآن على المحك، ومنها، هو كيفية حفاظ المنظمة على نشاطاتها، العلمية والثقافية وغيرها، والتي تعتبر من أهم المجالات التي تُسند إليها، في ضوء التهديدات الأمريكية والإسرائيلية والدول الكبرى المساندة لها، بغض النظر عن الأمور المادية، ولكن بشأن التعاملات السياسية والدبلوماسية مع الدول المهمة، التي دعمت الطلب الفلسطيني، وانعكاساتها على الجانب الفلسطيني والقضية الفلسطينية بصورةٍ عامة، وفي ظل الامتعاض الأمريكي والإسرائيلي المتكرر من قبل المنظمة وقد كانت (إسرائيل) قد اشتكت مراراً من منظمة اليونسكو، لأنها كما تقول:" إن منظمة اليونسكو تثير دائماً وأبداً نعرات ضد (إسرائيل) وهواجس معادية لها.
وأمّا فيما يتعلق بالشق المادي، وهو كيفية تعامل المنظمة "اليونسكو" مع القوانين الأمريكية، التي كان أصدرها الكونجرس الأمريكي، ومنها القانون الذي كان اعتمده منذ 15 عاماً، والذي ينص على أن الولايات المتحدة، لن تقوم بتمويل أي وكالة تابعة للأمم المتحدة، اعتمدت الفلسطينيين كأعضاء كاملي العضوية، خاصةً وأن منظمة اليونسكو، تعتمد إلى حد كبير على الولايات المتحدة، حيث تمول ما مجموعه 22 ٪ من ميزانيتها والبالغة 70 مليون دولار سنوياً. وكان علق بعد التصويت مباشرةً السفير الأمريكي لدى اليونسكو "ديفيد كيليون"، بالقول:" إن الولايات المتحدة كانت ملتزمة بتقديم حصتها لليونسكو، ولكن القرار الأخير سيؤدي إلى "تعقيد" الأمور، في الجهود المبذولة لدعم المنظمة. وقال إن قبول الطلب الفلسطيني في هذه المرحلة، هو بمثابة "عملية ضارة وقبل الأوان". ومن جانبه اتهم سفير (إسرائيل) لدى اليونسكو "نمرود باركان" المنظمة، باتخاذها خطوة بالاتجاه الخطأ، وقال:"إن الغرض منها هو دعم التحرك الأممي في المناقشات الجارية حالياً في مجلس الأمن لصالح الطلب الفلسطيني، وهو ما لم تقبل به (إسرائيل) بعد". ووصف القرار بأنه "مأساة" ".
وتجاوزاً للمفاهيم العلمية إلى الخيال، وهو أبعد من حدود مسؤولية المنظمة". وأضاف:" "لقد جعلوا "اليونسكو" مؤسسة سياسية، لمناقشة المواضيع التي لا صلة لها بالسياسة، وهي أبعد ما تكون عن ذلك، وحذر المنظمة بعدم استمرارية التمويل الأمريكي، ومن إجراء تخفيضات كبيرة أخرى، ضد نشاطات المنظمة المستقبلية.
وكان قال وزير التربية الإسرائيلي "جدعون سار" أثناء كلمة خلال هذا الأسبوع في أحد المؤتمرات: "ا إن لفلسطينيين يريدون (واجهة الدولة) بهدف الاستمرار في الصراع، والصراع الطبقي ضد إسرائيل وتعزيزه".
وأمّا السؤل الأهم، هو ما هو الموقف الرسمي الذي ستتخذه (إسرائيل)على خلفية قبول عضوية فلسطين في المنظمة "اليونسكو"؟ خاصةً في ضوء إعلان "أفيغدور ليبرمان" عن إجراءات مقابلة وتهديدات مباشرة، خلال تصريحاته المتناثرة بقوله:" يجب علينا أن نأخذ درساً مهماً من هذه الخطوة، وأن على السلطة الفلسطينية أن تدفع ثمناً لها" وأضاف:" من الآن فصاعداً لن يكون هناك تجميداً للاستيطان، ولن تكون هناك تنازلات من جانب إسرائيل". وكان "ليبرمان" قد أعلن خلال اجتماع عاجل لحزبه، "إسرائيل بيتنا" بقوله "لا يمكننا السكوت على ما جرى في منظمة اليونسكو، وتوصياتي واضحة جداً، علينا أن ننظر إلى قطع جميع العلاقات مع السلطة الفلسطينية، لأننا لا نستطيع استيعاب تحركاتها الأحادية، وعلينا أن نأخذ عبرة، حتى لا نكون مقيدين في تحركاتنا في المحافل الدولية، والآن لا يمكننا أن نترك الأمر دون رد فعل مناسب ".
وتعقيباً على خطاب "نتانياهو" الذي كان ألقاه في "جامعة "بار إيلان" والذي ألمح خلاله عن إمكانية الخوض في مسألة التجميد الجزئي الاستيطاني، وإلى موافقته المشروطة على مقترحات اللجنة الرباعية الأخيرة، كرر ليبرمان أقواله وأضاف:" الآن الكرة في الجانب الفلسطيني، ونحن مستعدون للنقاش، ولكن بدون أن نكون عبارة عن "كيس اللكم" لأحد.
وأضاف موجهاً قوله للحكومة الإسرائيلية:" آمل من الحكومة الإسراع لاتخاذ قرارات واضحة وتستجيب بشكل جيد ومناسب لهذه الخطوة التي حدثت اليوم في اليونسكو".
لا شك بأن هذه الخطوة، التي نالت من خلالها السلطة الفلسطينية، العضوية الكاملة في منظمة اليونسكو، تعتبر مهمة وذات شأن على الصعيدين المادي والمعنوي، ولكن فقط إذا صدقت النوايا، من خلال مواصلة الدعم والإسناد وعدم التراجع أو التراخي، وكانت بعيدة من تدخلات القوة الأمريكية والخبث الإسرائيلي، لافتعال مسألة الاعتراف هذه، لخلق مشكلة مهمتها تعقيد الأمور، وسبباً يعود بنا إلى الوراء أعواماً أخرى طويلة.