"رخا... قومية المعركة"- عيسى عبد الحفيظ
لم يستطع أي من رفاق الشهيد أن يتذكر اسمه الحقيقي, لذا, اطلق عليه هذا الاسم المكون من ثلاثة حروف والذي يذكرنا بالطائر الأسطوري الذي إن وجد يوما ما فقد انقرض منذ ملايين السنين.
أسود البشرة قدم السعودية ضابطا في الجيش السعودي الى الاردن بعد هزيمة حزيران 1967 لتعزيز الجبهة الاردنية.
قادته أفكاره اليسارية الاشتراكية الى النهج الشيوعي, فآمن بالديمقراطية والعلمانية, بالاضافة الى معرفة واسعة بالتاريخ والفلسفة, وايضا بالوحدة العربية وقومية المعركة من اجل فلسطين.
لم يلبث ان هرب من الجيش ملتحقا بالجبهة الشعبية لتحرير ظفار. بعد اندحار الثوار ونهاية الجبهة انضم الى طلائع حرب التحرير الشعبية (قوات الصاعقة) بعثية الانتماء والفكر والولاء.
انضم الى الصاعقة ايمانا منه بقومية المعركة ولكي يساهم في ازالة آثار العدوان وتحرير فلسطين والجولان.
انضم الى مجموعة فدائية اجتازت الحدود بعدة كيلو مترات, لكن القوات الاسرائيلية كشفت تسلل المجموعة فبدأت المطاردة وخاطبتهم بضرورة الاستسلام, لكن المجموعة قررت الاشتباك في ظروف ليست في صالحهم اطلاقا فسقطوا جميعا شهداء باستثناء (رخا) الذي اصيب اصابة بالغة في ساقه بقي على إثرها يعرج حتى تاريخ استشهاده.
جادل رخا الزحف مبتعدا عن المكان لكن نزيفه الحاد والجهد الكبير الذي بذله في التسلل والاشتباك جعله يسقط فاقدا وعيه حين قبض عليه وحكم بالمؤبد في سجن عسقلان الذي انشئ خصيصا لمن هم على شاكلة (رخا). السجن الاكثر قسوة وتنكيلا وتعذيبا للمناضلين والذي كان فيه خيرة الشباب من الذين خانهم الحظ فوقعوا أسرى بيد الاحتلال.
كانت سياسة الاحتلال في أواخر الستينيات والسبعينيات محاربة الظاهرة الفدائية الوليدة حتى تموت في المهد, وقبل ان تنتشر على نطاق جماهيري واسع. لذا, كان القمع والتعذيب ومحاولات الاذلال النفسي والجسدي عناوين لتلك الفترة السوداء والتي مر بها كثير من المناضلين الأوائل أمثال ابو علي شاهين وراسم حلاوة واحمد الفيتوري ورمضان البطة وغيرهم.
موقفه تجاه المعتقلين كان مثاليا في الاصلاح وتضييق شقة الخلافات التي كانت تنشب بين الفينة والأخرى التي تغذيها حالات القهر والكبت النفسي والقمع وفقدان الأمل في الخروج من هذا الجحيم, وقسوة الحياة, والتعصب الأعمى. كل ما سبق كان اكثر من كاف لارتفاع الضغط النفسي, والانفجار في وجه الآخرين. كان (رخا) القاسم المشترك الأعظم في استيعاب الخلافات الداخلية والتي كان يعالجها بحكمة وبصيرة نافذتين. اما موقفه تجاه ادارة السجن فقد كان عنيفا الى درجة تعرضه في احيان كثيرة الى عقاب قاس كان يرفض الوقوف احتراما لمدير السجن والضباط الكبار الأمر الذي كان اجباريا, مما يحرمه من الأكل باستثناء الخبز والماء.
ثقافة واسعة وحنكة في عالم الأدب والقصة واطلاع واسع على الأدب العالمي, ومهارة في لعبة الشطرنج التي تحتاج الى كثير من الذكاء ودقة الملاحظة.
لم يكن للاسير السعودي (رخا) عائلة او اصدقاء او ذوو قربى لزيارته في السجن, فقامت عائلة فلسطينية مشكورة بزيارته باستمرار وكان للعائلة التي تبنت (رخا) عائلة ابو نبيل طقاطقة من بيت فجار شرف زيارته باستمرار, الامر الذي جعله يشعر بان انتماءه لفلسطين كان صائبا, وفي عام 1985 اطلق سراحه ليعود الى السعودية ليقضي ما تبقى له من العمر بين اهله وذويه حتى وافته المنية هناك.