"نور الشريف.. صديق فلسطين"- عيسى عبد الحفيظ
ذهب نور الشريف الى العالم الآخر تاركا خلفه ارثا فنيا غنيا, وسمعة ممتازة في عالم الفن والسينما تحديدا.
نور الشريف, هذا المواطن العروبي بامتياز, كنت أعرفه كممثل سينمائي, وكانت صورته في ذهني لا تتعدى صورة باقي الممثلين في السينما العربية, حتى حضر الى الجزائر كضيف على دورة المجلس الوطني المنعقدة هناك, دورة الوحدة الوطنية عام 1987.
كان الحضور كثيفا وخاصة الوفد المصري الذي زاد عن المئة شخص من سياسيين وكتاب وصحافيين ورجال فكر وفنانين كان في مقدمتهم الراحل نور الشريف.
أدى ارتفاع عدد الحضور الى أزمة حقيقية في الايواء, ما دفع الأخوة الجزائريين الى افراغ سبعة فنادق كاملة, كان فندق الأوراسي الشهير في مقدمتها, الذي تم حجزه بالكامل للضيوف والصحافة.
اعتذرت للفنان نور الشريف عن التأخير أولا, وعن عدم الامكانية او صعوبتها في تأمين جناح يليق به وبتاريخه الفني والنضالي حيث حجزت له غرفة عادية. فاجأني برد لم أكن أتوقعه وبلهجته المصرية المحببة التي حاول ان يضفي عليها لكنة فلسطينية عندما قال: "عيب يا زلمة نحن مناضلون وكنت أتوقع ان أنام على الأرضية برفقة عدة أشخاص"!!.
صافحته بحرارة, لكنه شدني إليه وقبلني بود واضح وتأثر كبير وهو يردد "يا ريت نمت معكم في جبال لبنان, أو في بيت في مخيم صبرا أو شاتيلا" شكرته على لطفه واتفقنا ان نلتقي لاحقا للحديث أكثر وأبدى استعداده التام قائلا ان لفلسطين مكانة خاصة تلزمه بالغاء كل المواعيد والتفرغ لها!
أبديت اعجابي بدوره في فيلم ناجي العلي, وفوجئت بأنه قبل تقمصه الدور التقى بالعشرات ممن عرفوا الشهيد ناجي في الحياة الدنيا كي يستفيد من تقمص الشخصية عند التصوير, حتى أنه بالغ عندما تبول على ازهار حديقة أحدهم عندما رتب حفلة لوجوه المجتمع.
الفن عندما يعكس حالة المجتمع وحياة الناس يؤدي دوره المطلوب, أما عندما يهبط مستواه كمفردات وأداء ومعاني ورموزا فاقرأ عليه السلام, وهذا ما يحدث الآن بعد رحيل العمالقة, وكان نور الشريف أحدهم. شد الرحال الى بيروت اثناء الحصار, والتزم بقضايا أمته وكانت فلسطين في أول اهتماماته.
اصدقاؤه كثر من قيادات وكوادر وكتاب وصحفيين وحتى من أناس عاديين جدا. لم يبخل يوما على أحد, وكان بيته مفتوحا للجميع مع زوجته الرائعة بوسي التي شاركته في الاستقبال والضيافة.
تلك هي رسالة الفنان, التي لمسناها عند رحيله اذ تهاطلت المراثي على الصحف وشاشات الكمبيوتر والمواقع الالكترونية, وكان لفلسطين شرف السبق في ذلك والذي نفتخر به جميعا.