عرفات صوت فلسطين الغائب .. الحاضر في القلوب- رمزي النجار
إنها لحظة في غاية الصعوبة عندما نكتب تلك السطور التي نحاول ان نفتتح بها ما نود ان نكتب وخاصة اذا كانت تخص رجل ثوري عرفته البشرية وأحبه الملايين، فلكل منا شخص عزيز على قلبه له ذكرى لا ينساها ، فما بالكم إذا كانت ذكرى الزعيم الخالد ياسر عرفات، ذلك الفارس المترجل للقضية الفلسطينية دون منازع , رجلا أمضى حياته فارسا مغوارا، ومناضلا بطلا، سياسيا محنكا، قائدا وطنيا وقوميا التصق اسمه بالقضية الفلسطينية منذ بدايات انطلاقتها، قائدا ومفجرا للثورة ردا على عجز الأنظمة العربية وتهاون المجتمع الدولي في ضياع فلسطين، وهو الزعيم الثوري شفيف الروح والوجه واللسان, الذي كان يتحدث باللغة الثورية الوطنية، فيتسرب الى قلبك ويتربع وسطه، ولا يتجاوز على الآخرين حتى وان اختلفوا معه، كان محب الجميع فتحاوى وحمساوى ويساري ، يتحدث بكل بساطة ودون تكلف ، كلماته تدخل القلوب دون أستأذان, كان بحق مكتبة ثورية متنقلة ولسان الفدائي الفلسطيني الناطق في جموع المعمورة أكثر من نصف قرن وكلماته الساطعة راسخة في العقول والقلوب ويرددها الصغير قبل الكبير, فما زالت كلمات خطاباته تدوي في آذان كل من سمعها، حقا كان ابو عمار نعم الزعيم لنا ..شامخاً في طرحه كجبال الجرمق، مبدعاً في أسلوبه، عميقاً في فكره الوطني، بسيطاً في عرض أفكاره الثورية، وحاضرا في الذاكرة، هو للفدائيين رمز الفداء وللسياسيين أستاذ السياسة وللمفاوضين مدرسة في المفاوضات وللبسطاء عنوان دائم للبساطة .
عذرا سيدي كل الكلمات التي كتبتها بحقك عجزت أمامها ووقف قلمي لأنه مهما بديت اكتب لن أوفيك حقك، أنت الزعيم العزيز علي قلوبنا وصوت فلسطين الغائب الحاضر، أنت من قمت برد الاعتبار الى القضية الفلسطينية مجسدا وحدة فلسطينية بين مكونات الشعب الفلسطيني في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، واضعا برنامجا نضاليا وكفاحيا في سبيل تحقيق الحرية وتقرير المصير وحق عودة اللاجئين وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، واستطاع الزعيم الخالد انتزاع الاعتراف العربي والدولي بالمنظمة كممثل وحيد للشعب الفلسطيني، وتبقي القضية هي التي تجمعنا، قضية شعب عانى عذابات التشرد والظلم والقتل والاعتقال، هذا الشعب الذي مازال صابرا ويضحى بالكثير من اجل الحريه ، من اجل ان يكون موجود علي الخريطة.
لا أدرى كيف لكلماتي البسيطة ان تعطيك حقك، إليك أبو عمار اكتب واحبس أنفاسي وعيوني تمطر دمعا في ذكراك، عذرا سيدي وقائدي فلا املك عند ذكراك غير الدموع التي تحرق القلوب، رحلت سيدي فأقرحت العيون وأدميت القلوب بفراقك ، تحققت أمنيتك في ان تموت في فلسطين الحبيبة، وصمدت في حصارك متحديا كل الضغوطات والصعوبات، وفضلت ان تموت شهيدا في سبيل قضية شعبك، ورفضت التنازل او المساومة وتمسكت بالثوابت بالوطنية، لتقوم الدوائر الامبريالية بفرض الحصار عليك نتيجة لمواقفك الشجاعة والتمسك بحقوق شعبك العادلة والمشروعة امام انحياز الإدارة الأمريكية للاحتلال، حتى جرى قتلك بالسم لتجسد أسطورة الصمود والتحدي الفلسطيني أمام جبروت الأعداء .
افتقدناك على منبر الأمم المتحدة في ايلول وتذكرناك حينها، وتمنينا لشخصيتك الكاريزمية ان تكون حاضره ، لما لها من قدرات غير طبيعية في القيادة والإقناع، فأي حياة هذه كانت من بعدك ابا عمار، لم نرى النور بعد ، عشنا سنوات جحاف مليئة بالصعاب والتحديات بدءا من الانقسام الخطير وغياب الوحدة والتلاحم وصولا الى سياسات الاحتلال وعدوانه وجرائمه في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة وفرض الحصار والاستيطان وسياسات تهويد القدس، وما يتعرض له المسجد الأقصى المبارك، إضافة الى الانسداد في الأفق السياسي وتراجع الإدارة الأمريكية عن وعودها ووقوفها الى جانب الاحتلال وغياب الشرعية الدولية.
افتقدنا قائدا وطنيا كبيرا ترك مجموعه القيم والمبادئ التي يجب ان يحرص شعبنا على التمسك بها ومآثر إنسانية عديدة ، وان الوفاء للزعيم الوطني ياسر عرفات هو المضي على ذات الدرب والمثل والقيم على درب الشهداء الأبرار، ومواصلة كفاح ونضال شعبنا ضد الاحتلال بكل السبل الممكنة، وهذا يحتاج الى إنهاء الانقسام والتوحد في ظل خطة إستراتيجية وطنية تؤكد على التمسك بالثوابت والحقوق وتمضي قدما بتعزيز وتفعيل نضال شعبنا العادل حتى الوصول الى الحرية والاستقلال وحق العودة وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس .
بقلم / رمزي النجار
palramzy@yahoo.com