بهاء عليان .. الشهيد المثقف
يامن نوباني
برز بهاء عليان (22 عاما) من بلدة جبل المكبر، في أوساط الشباب المقدسي مثقفا ومبادرا، مرحا وذا هيئة جميلة، قبل أن يعدمه الاحتلال الإسرائيلي بالقدس في 13 تشرين الأول الجاري.
استشهد من أحاط أسوار القدس وشوارعها بآلاف القُراء في آذار 2014، وبعد عام على مرور هذه الذكرى، كتب بهاء، في 16 آذار 2015: 'في مثل هذا اليوم تعرفت على 10 آلاف فلسطيني مثقف'. هذا الحشد ما كان يحصل في مدينة يعمد الاحتلال على خنقها وقتل الحياة فيها، لولا إصرار شاب في بداية العشرينيات من عمره على تأكيد هويتها العربية والإسلامية.
'بهاء شابّ طموح، أحبّ الحياة وانغرس في العمل التطوّعي سعيا منه لوضع بصمته في هذه الحياة. لم يحالفه الحظّ بالالتحاق بالجامعة، لكنّه كان أكبر من مقررات الجامعة وأوعى من شهادات عُليا. فسعى إلى تطوير نفسه في تصميم الملصقات والمنشورات، وحجز لنفسه مساحة كبيرة بين المصممين الشباب. وتمكن من افتتاح مشروعه الخاص (مطبعة البهاء) قبل عامين، والتي شكّلت له ميدانا للإبداع والتفرّد؛ فقدّم تصاميم مميّزة وخرج بأفكار خلّاقة كان آخرُها (مجموعة البهاء الشبابية)، وكانت نيّتُه أن تكون مجموعة شبابيّة فاعلة تُحيي المناسبات الاجتماعية والثقافية في القدس؛ لكنّ النيّة لم تتحقّق!، تقول الشابة آية جوهر من القدس.
وتضيف: القدس بالنسبة لبهاء هي الحُلم، الحضن الدافئ، المكان الأوّل؛ فقد فتح عينيه وهو فيها، وحصد نجاحاتِه فيها وحُصدتْ روحُهُ فيها. عمل كثيرا من أجلها وشارك مع (مبادرة شباب البلد) في تنظيم (أطول سلسلة قارئة تحيط سور القدس)، فشكّل مع أصدقائه خليّةَ نحلٍ لم تتوقّف عن العمل على مدار شهرين كاملين؛ فقد أنجز فيهما الشيء الكثير من جمع التمويل اللازم وتصميم الملصقات والبلايز، وترتيب الأفكار وجمع المشاركين وتنظيم السلسلة بالتعاون مع (كشافة جبل المكبر).
وتابعت: ذهب بهاء تاركا وراءهُ حياةً مضيئة وأحلاماً كثيرة كان يرغب برؤيتها تتحقّق، لكنّه اختارَ حلما أجمل وأكثر فاعليّة، وقد اعتدنا عليه يحلم ويخطط وينفذ بصمت، وإن وجّه له أحدٌ ما الشكرَ على مجهوده كان يقول دائما: 'أنا لم أقم بشيء، اشكروا فلان أو فلان'.
بهاء لم ينم في العدوان الأخير على غزة، والذي استمر 51 يوما، وراح ضحيته أكثر من 2200 شهيد، تقول عرين خليل من حي الطور: كان يدق على البيوت لجمع المعونات لأهل غزة، ولم ييأس حين كان البعض يرُده خائبا، سانده كثيرون، وجمع شاحنة مساعدات برفقة أخيه حسام ومبادرة شباب البلد، اضافة لجمعه التبرعات للفقراء في رمضان والأعياد للمحتاجين.
كتب بهاء وصاياه العشر، وأبرزها ألا يتبناه فصيل، وألا يحزن أحد على استشهاده، وألا يُعتبر رقما، موصيا بالمحبة بين الناس، وألا يُرهق أهله بالأسئلة، فاستشهاده كان للوطن.
'جاءت وصايا عليان منسجمة وواعية، أرسى بها قواعد وأسسا للحياة بكرامة ومسؤولية، وأن الشاب الخلوق الخجول المرح الذي لعب دور المهرّج ليدخل البسمة إلى قلوب الأطفال، صاحب التصميم الفني ومطبعة البهاء وقائد الكشافة، قرر أن يقاتل حقل الأشـــــواك'، يقول الكاتب المقدسي إبراهيم جوهر.
ولأن الرصاصة تقتل الجسد، لا الفكرة، سارع شبان وفتيات القدس للدعوة إلى تنظيم 'سلسلة القراءة' بشكل سنوي، تكريما لروح بهاء. فقبل أن يستشهد، زرع في عقول المقدسيين واجب القراءة وعشقها، وحراسة الوطن بالعقول.
لاحقا بمن سبقوه من شهداء القلم والكلمة والفكرة، قام بهاء شهيدا، مستجيبا لدعوة الشهيد الأديب غسان كنفاني: لك شيء في هذا العالم، فقم.