الاحتلال يزرع الحزن في كل بيت
دعاء زاهدة
يمسك بهاتفه المحمول، يقلب نظره بين جسد أخيه مهند الكوازبي المسجى وصورته المعكوسة في كاميراته، يأخذ صورة لعينه، يتحسس وجنته ويعود إلى صوره القديمة المحفوظة على الهاتف يقلبها يمينا ويسارا. هنا كانوا يضحكون وهنا تناولون معا وجبتهم الأخيرة، ثم يعود ليقف فوق رأس شقيقه يقبله ويهزه عله يفيق.
24 ساعة وأقل، فرق الوقت بيت شهيد وآخر في بلدة سعير شمال شرق الخليل، التي ودعت منذ بداية الهبة الشعبية في تشرين الأول/ أكتوبر 10 من أبنائها.
يقول والد الشهيد مهند: "صلى مع أبناء عمه علاء وأحمد العشاء جماعة، وخرجوا لينضموا إلى أصدقائهم، كنا نشاهد الأخبار ليلا حين أعلنوا عن ثلاثة شهداء من سعير على مفرق غوش عتصيون، وفور سماع الخبر خرجت إلى الشارع لأقف مع أهالي البلدة وعائلات الشهداء، في نهاية الليلة تبين أن الشهداء هم أولادنا".
والد الشهيد علاء كوازبي خانته الكلمات، تتوه عيناه في وجوه من حضر لمواساته وبعبارات مقتضبة، يقول: "علاء كان شب أديب ومنيح ودائما بشغله، عرفنا من وسائل الإعلام بنبأ استشهاده والحمد لله الذي أكرمه الله بيها".
ثلاث ساعات مضت بعد الإعلان عن استشهاد أبناء العمومة مهند وعلاء الكوازبي، ليطرق أسماع أهالي سعير أنباء عن إطلاق النار على شاب على مفترق بيت عينون، ليعود أهالي البلدة إلى التجمهر من أجل التأكد من حقيقة الأخبار، وليعلن عن استشهاد خليل الشلالدة، شقيق الشهيد محمود الذي استشهد في الثالث عشر من تشرين الثاني/ أكتوبر من العام الماضي.
يقول والد الشهيد خليل: "كنت عائدا من رام الله وجلسنا أنا وخليل ووالدته لنشاهد الأخبار، وبعد الإعلان عن استشهاد الشباب الثلاثة الكوازبي خرجنا أنا وهو من المنزل لنقف مع أهالي بلدتنا، عدت إلى البيت ليعلن عن خبر استشهاد شاب جديد دون تحديد هويته، خرجت أبحث عن ابني دون جدوى ليصلني في ساعة متأخرة أنه الشهيد الرابع".
مشهد الوادع الحزين اختزلته أم الشهيد الشلالدة، التي تهادى إلى أسماعها نيتهم نقل الشهداء من المستشفى الأهلي إلى بلدتهم استعدادا لمواراتهم الثرى، لتتشبث الأم بالجثمان، وتحتضنه بقوة غارسة شفتيها على جبين ابنها البارد، ولتطلب ودموع عينيها تخضب وجه ابنها عشر دقائق إضافية تكحل بها العيون برؤية الغالي لآخر مرة.
وقال رئيس النيابة العامة علاء التميمي: "فور تسلم الشهداء مساء أمس الجمعة، باشر الطب الشرعي بقرار من النيابة العامة، باتخاذ الإجراءات الطبية اللازمة وتشريح الجثامين الأربعة، ليتبين من النتائج الأولية بعد التشريح أن الإصابات تركزت في منطقة الرأس والمناطق العلوية في الجسد لجميع لشهداء، ما يدلل على أن الاحتلال قام بإعدامهم، وتركهم ينزفون حتى الموت، ليتم نقلهم لاحقا إلى الثلاجات الإسرائيلية".
سعير التي قدمت 10 من أبنائها منذ بداية الهبة الشعبية، حيث ارتقى رائد جردات في 26 من تشرين الأول على مفترق بين عينون، ليتبعه بعد ساعات قليلة استشهاد إياد جردات إثر مواجهات اندلعت مع جنود الاحتلال، وفي الأول من تشرين الثاني أطلق جنود الاحتلال الرصاص على فادي الفروخ على مفترق بيت عينون أيضا، وليمنعوا الطواقم الطبية الفلسطينية من الوصول إليه لتقديم الإسعافات اللازمة ليرتقي شهيدا.
وفي الثاني عشر من تشرين الثاني من العام الماضي اقتحمت قوات خاصة من المستعربين المستشفى الأهلي في الخليل لاعتقال عزام الشلالدة، وليطلقوا النار على ابن عمه ومرافقه عبد الله ليرتقي شهيدا على الفور، وفي اليوم التالي وعلى إثر المواجهات المندلعة عقب تشييع ابن عمه الشهيد عبد الله أصيب محمود الشلالدة برصاص جنود الاحتلال، لينقل إلى المستشفى الأهلي حيث تم الإعلان عن استشهاده لاحقا.
بلدة سعير التي ودعت قبل أيام قليلة الشهيد أحمد يونس الكوازبي، خرجت اليوم جميعها لتودع أربعة من أبنائها الذين ارتقوا إلى جوار ربهم بعد 100 يوم على بدء الهبة.