شتّي يا دنيا وزيدي- محمد علي طه
وسائل الإعلام العصريّة تبثّ بغزارة أخبارا عن المنخفض الجوّيّ: الغيوم والبرق والرّعد، الرّياح والعواصف والأشجار التي تموت ساقطة على الشّوارع وعلى أسلاك الكهرباء، الأمطار والوديان والسّيول والفيضانات، البرد والثّلج وطيور الزّرزور.
وأين نحن من أيّام زمان، أيّام "اللزبات" و"الأربعينيّة" عندما كان الجار لا يطلّ على جاره والوادي سكران والمياه فيه ساكتة غدّارة.
اليوم يبالغون كأنّ طوفان نوح قادم، والنّاس يهرعون الى الحوانيت لشراء وسائل التّدفئة والموادّ الغذائيّة. ورزق العقّال على المجانين.
نحن لا نفكّر الا بأنفسنا وشعارنا: حادت عن ظهري بسيطة. نجلس في الغرف الدّافئة، مدافئ كهربائيّة وغازيّة وحطب وجمر. والنّار فاكهة الشّتاء، ونشاهد على شاشة التّلفزيون المسلسلات التّركيّة (أهلا أردوغان) والبدويّة (أهلا أبو محمود) والحبّ والزّواج والخيانة والكذب... ونأكل الكستناء والمكسّرات ونلتهم حلويات الصّداقة والعكر وجعفر، ونسمع موجز الأخبار ونحصي عدد قتلانا (آسف!عدد شهدائنا).
شبّان في عمر الورد يعدمهم الاحتلال. خبر عاديّ. يعدمهم الاحتلال دون محاكمة..التّهمة جاهزة هي هي. حاول (ت) طعن جندي. طفل يحمل سكيناً أو مفكّاً أو مقصّاً أو قلماً والجنود "حيّدوه".
لا يقول العساكر إنهمّ أعدموه أو قنصوه. رقيّة عيد ابنة الثالثة عشرة. طفلة. يزعمون أنّها هاجمت جندياًّ. يعدمونها قبل أن تقترب من الجنديّ. هل يصدّق عاقل كلامهم؟ لماذا لم يلقوا القبض عليها؟ لماذا لم يطلقوا الرّصاص على ساقها؟ الدّم الفلسطينيّ مباح. قتل أطفالنا خبر عاديّ. عندما يصل الاحتلال إلى هذا الدّرك الأسفل، إلى هذا الكذب الوقح فهذا دليل على أنّ أيّامه معدودة وقليلة جدّاً.
أمطار وثلوج المنخفض الجوّيّ لن تغسل موبقاته ورذائله. الخوف واليأس والاستيطان والعنصريّة. سرقة الأرض والهواء. اغتيال الزّيتون والكرمة. والاحتلال وأوباش المستوطنين والحواجز والغزاة ومداهمة البيوت ليلاً. لا حرمة للبيت الفلسطينيّ. والمنخفض الجوّيّ لا يحتاج إلى تحريض يا خواجة بيبي. تعدمون أطفالنا وتتّهموننا بالتّحريض. من فَرعَنَكَ يا فرعون؟ وزير كبير في حكومة بيبي يمشي "كسدرا" على بساط أحمر في عاصمة خليجيّة. سقط القناع عن القناع. أهلاً أهلاً بكم في مدننا وعربستان ومضرستان و قحطانستان.
إسرائيل ابن عمي عندنا يا مرحبا يا مرحبا. رياح وعواصف وبرد. والبرد من نصيب الفقراء والجوع والخوف أيضاً. زادت مخيماتنا والحمد لله. تضاعفت أضعافاً. زوّدنا القارة العجوز بها. صدّرنا للغرب حزناً وبؤساً وجوعاً وذلا وخوفا.. وأهلنا العرب لا يريدون شاميًّا وعراقيّاً في ربوعهم. تغرّبوا يا عرب الشام. المنخفض الجوّيً يحمل العاصفة والبرد.
هي أيّام معدودة وتبزغ الشمس ويذوب الثّلج وتنقشع الغيوم وتفرح الأرض وتتفتّح البراعم وتزهر الخزامى.. وشتّي يا دنيا وزيدي. بيتنا الفلسطينيّ حديديّ حتى لو كان خيمة تسكنها عائلة رقيّة عيد.هنا باقون. هنا باقون. لا تصدقوا أميركا والشّيوخ والملوك والأمراء والبناديق. هنا باقون!!