"عبد الله علاونة"- عيسى عبد الحفيظ
علم من أعلام الحركة الوطنية الأسيرة وقامة عالية من قاماتها. استطاع رغم صغر سنه عند اعتقاله أن يفرض حضوراً مميزاً وان يتحول إلى شخصية تتمتع بكاريزما تنظيمية يلتف حولها الآخرون ويتأثرون بها. اعتقل عام 1975 مع مجموعة من رفاقه وابناء قريته جبع، البلدة التي تستلقي على السفح الغربي للجبل الذي يفصل بين نابلس وجنين. اشتهرت بلدته عبر التاريخ بوطنية ابنائها واسهامهم المتواصل في الهبات والانتفاضات والثورات الفلسطينية المتعاقبة.
كانت مقراً لقيادة جيش الإنقاذ بقيادة القائد العربي السوري فوزي القاوقجي، الأمر الذي خلق وترك أثره المعنوي على أهل البلدة الذي استشهد عدد كبير منهم في الهجوم على مستعمرة مشمار قرب حيفا، وأثناء صد هجوم الهاغاناة على قرية فقوعة قضاء جنين عام 1948، وصارت حكايات صمود القرية وتضحيات سكانها بمثابة الغذاء اليومي للأجيال التالية.
اعتقل أبو المجد ولم يكن يتجاوز التاسعة عشرة من عمره، لكنه كان متزوجاً قبل اعتقاله نزولاً عند رغبة والديه حيث كان الابن الوحيد لهما. لم تطل اقامته في السجن، فهؤلاء الذين ينالون أحكاماً تقل عن عشر سنوات توضع ابراشهم وامتعتهم في العادة عند أبواب غرف السجن. قضى ستة أعوام في سجن جنين وهي فترة قصيرة بمقاييس المعتقلين، غير أنها كانت ذات أثر كبير على الوضع النضالي لعبد الله علاونة. كان من أكثر المعتقلين نشاطاً في العمل التنظيمي داخل المعتقل، وبحكم قدرته التنظيمية المميزة، فقد تولى أهم المناصب القيادية، فقضى وقته يتابع إدارة التنظيم ما جعله هدفاً للسجانين وإدارة السجن، حتى عندما غادر السجن أصبح هدفا (للشين بيت) سواءً في بلدته جبع أو في جامعة بيرزيت التي التحق بها طالباً في كلية العلوم السياسية. بادر فور خروجه من السجن إلى إنشاء اللجان الشعبية للعمل الإجتماعي وهي اللجان التي اعتبرت لاحقاً من أهم محركات الانتفاضة الأولى عام 1987. نظراً لنشاطه المتجدد والمتواصل، تعرض أبو المجد للعديد من الاعتقالات المتوالية حيث سجن إدارياً ثلاث مرات عام 1987، كما اعتقل عندما اندلعت الانتفاضة الأولى وامضى سنة كاملة، تبعتها ستة أشهر أخرى حيث أصيب بجلطة قبل اطلاق سراحه بأيام، تبعتها جلطة أخرى أشد وطأة قبل إطلاق سراحه بأيام كذلك وكان يبلغ من العمر خمسة وثلاثين عاماً وكان ذلك في الحادي عشر من تشرين الثاني عام 1990 أدت إلى استشهاده فوراً.
ترك أبو المجد خلفه ستة أطفال وزوجة شابة أخذت على عاتقها الواجب الوطني الأكثر أهمية، تربية الأطفال وتنشئتهم نشأة وطنية. لم يترك خلفه إلا ميراثه النضالي الكبير وسمعته الوطنية العالية، ليتحول بنظر كل من عرفه إلى قديس نظراً لما كان يتمتع به من صفات الزهد والتفاني والإيثار والتضحية. كان مستقيما يمقت أساليب اللف والدوران ويدخل إلى الموضوع مباشرة.
رومانسي في معتقداته الثورية ومثالي صاحب قيم انسانية عالية. مرجع من مراجع الفقه الثوري ومناضل عنيد لا يفت له عضد، وقدوة للعديد من رفاقه، وأصبح الجميع يردد مقولته التي اشتهر بها " ليس أمامنا خيار سوى الكفاح ".