لجنة التواصل .. شغل النمل - محمود أبو الهيجاء
من أعمال لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي، وهي اللجنة التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، ويترأسها عضو مركزية فتح، محمد المدني، من اعمال هذه اللجنة، البحث عن طريق الحوار والاسئلة، عن منافذ التفاهم مع المجتمع الاسرائيلي، حول ضرورة السلام العادل، بعيدا عن تدخلات السياسة التي باتت حزبية في اسرائيل بهذا القدر من هيمنة اليمين الاسرائيلي المتطرف عليها، واكثر من ذلك يسعى هذا العمل الى التعاون مع اوساط المجتمع الاسرائيلي المتطلعة بحق للسلام العادل، وتشجيع المتردد منها في هذا السياق، من خلال تأكيد الموقف الفلسطيني الذي لا يستهدف غير تحقيق هذا السلام، الذي يؤمن له حقوقه الوطنية المشروعة، ويحقق اهدافه العادلة في الحرية والاستقلال، وعمل هذه اللجنة في الواقع شبيه "بشغل النمل" الشغل الدؤوب والصائب الذي يشق طريقه بثبات، والذي يمضي نحو غايته خطوة خطوة، بهدوء وأناة، ويعرف برغم حركته البطيئة ان الوقت في المحصلة يعمل لصالحه.
لجنة التواصل تعمل على هذا النحو، وهي لا تحمل خطابا في كل لقاءتها غير خطاب المشروع الوطني الفلسطيني، البليغ في مصداقيته وتحضره الانساني، بوصفه مشروعا لبناء علاقات التعايش الانسانية بعدل وحرية وكرامة، بعيدا عن العنصرية البغيضة وافكارها المعتمة.
في التاريخ المعاصر لم يسقط جدار برلين بقرار سياسي ولا بثورة مسلحة عارمة، بل بعد ان اثقله الباحثون عن الحرية بثقوب الامل، وبالشعارات التي كانت تندد به على طول الجدار، والواقع ان الاحتلال الاسرائيلي جدار اقبح واكبر بما لا يقاس من جدار برلين، لا بحكم اسلحته التدميرية فحسب، وانما بحكم فكرته العنصرية بأوهامها وشهواتها الاستحواذية اساسا، وهذه هي الاخطر التي تحتاج منا ان نذهب الى الحوار الذي بوسعه تحقيق تلك الثقوب في هذا الجدار، ومن هنا قد تصح المقاربة مع جدار برلين وفي كل الاحوال، هذا الجدار بنهايته الدراماتيكية بات في سجل التاريخ امثولة على العبث الايديولوجي والسياسي، العبث الذي لا مصير له سوى الزوال والسقوط ركاما بين اقدام سعاة الحرية ورافعي راياتها.
يبقى ان اشير الى ان لجنة التواصل اسعدتنا الخميس الماضي، بلقاء مع الكاتب اليهودي العراقي، الاسرائيلي سامي ميخائيل، الذي اعلن وما زال يعلن ان مستقبل اسرائيل كدولة مستقلة فعلا، لا يمكن ان يكون دون استقلال فلسطين بدولتها الحرة وعاصمتها القدس، ابعد من ذلك يروي "ميخائيل" كيف ان الصهيونية تشوه اليهودية بسياسة الاحتلال والعدوان، ويكشف هنا للحقيقة والتاريخ ان اليهود في العراق عند تأسيس الدولة العراقية في عشرينيات القرن الماضي، اعلنوا بعد اجتماع لزعماء الطائفة انهم لن يكونوا جزءا من الحركة الصهيونية، لأنهم جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني والاجتماعي العراقي، ولهذا ما زال سامي ميخائيل يتحدث عن نفسه بأنه عراقي اولا، هذا الكاتب العراقي الاسرائيلي الكبير، كان في رام الله بضيافة لجنة التواصل، وكان الحوار معه كيف يمكن للادب ان ينتصر على السياسة، ومع ان الامر بالغ الصعوبة والتعقيد، لكن لشغل النمل دروبه ومستقبله دونما ادنى شك.