أسعار المحروقات .. قيود "باريس الاقتصادي" تحرمنا مزايا الانخفاض عالميا
ساهر عمرو
بعد منتصف عام 2008، كان ارتفاع أسعار المحروقات في فلسطين يوازي تقريبا ارتفاعها في الأسواق العالمية، العام المنصرم تراجعت أسعار النفط عالميا 70%، في حين لم يتجاوز الانخفاض في أسعار المحروقات 30%.
وزارة المالية، وعلى لسان مدير عام هيئة البترول فؤاد الشوبكي، عزت الحساسية المفرطة للارتفاع يقابله بطء ردة الفعل في الانخفاض الى سببين، الأول: الضرائب المفروضة على هذه السلعة في إسرائيل، المورد الوحيد للمحروقات إلى الأراضي الفلسطينية، وتربطنا بها اتفاقية باريس الاقتصادية بغلاف جمركي واحد، ما يحد من تأثير انخفاض الاسعار العالمية على أسعار المحروقات في فلسطين، علما ان 56% من هذه الأسعار هي ضرائب (بلو، وقيمة مضافة).
وأشار إلى أن السبب الثاني يكمن في سعر صرف الدولار مقابل الشيقل، وقال إن هناك تناسبا عكسيا بين اسعار النفط واسعار صرف الدولار، بمعنى ارتفاع سعر صرف العملة الأميركية تمتص جزءا كبيرا من نسبة الانخفاض في اسعار النفط، والعكس صحيح.
وأضاف الشوبكي أن "أسعار المحروقات في اسرائيل تحدد بشكل شهري، وهي مرتبطة بحركة الأسعار العالمية للبترول، حيث يتم احتساب معدل الأسعار لآخر خمسة أيام عمل في الشهر السابق، لكن ليس بالضرورة ان نأخذ حجم التغير في السعر كما هو في اسرائيل، لكون السلطة الوطنية تحاول إبقاء أسعار المحروقات في مناطقها أقل منها في إسرائيل فتعمد الى توزيعها بسعر أقل من سعر الشراء، وهذا يعني أن الخزينة الفلسطينية تتحمل هذه الخسارة الناتجة عن الفروق بين سعر الشراء وسعر البيع، والذي يسمى مجازا حجم الدعم الذي تقدمة الحكومة على هذه السلعة، وصل في بعض الأشهر إلى 80 مليون شيقل، وتراجع إلى حوالي 40 مليون شيقل شهريا".
وتابع: يعقد اجتماع في نهاية كل شهر يضم الجهات ذات العلاقة، وبناء على الوضع المالي للحكومة وحجم السيولة المتوفر في الخزينة، يحدد حجم الدعم الموجه لهذه السلعة، والذي بدوره يحدد حجم التغير في الأسعار سواء من حيث الارتفاع او الانخفاض، ما يعني أن حجم هذا الدعم (الخسارة في الايرادات) يلعب دورا أساسيا في تحديد أسعار المحروقات في مناطق السلطة الوطنية، ومدى تأثرها بالتغيرات التي تطرأ على السعر العالمي للبترول سواء من حيث الارتفاع أو الانخفاض.
وأشار إلى محدد آخر يؤثر على أسعار المحروقات في فلسطين، يتمثل بأحد بنود اتفاقية باريس الاقتصادية وينص على عدم السماح بوجود فارق بالأسعار بين الجانبين يزيد عن 15% أقل في الأراضي الفلسطينية عنها في اسرائيل.
وعلى صعيد مشاريع الهيئة لاستيراد البترول من الخارج، أوضح الشوبكي أن اتفاقية باريس الاقتصادية تتيح للسلطة هذا الخيار، من الأردن ومصر، "الا أن التنفيذ غير ممكن لعدم تطابق المواصفات في كل من الاردن ومصر مع المواصفات في مناطق السلطة، والمتعلقة بنسبة الكربون في هذه المواد والتي تصل الى أضعاف ما هو مسموح لدينا، خاصة أن معظم المعدات والآلات والمركبات في فلسطين هي حسب المواصفات الاسرائيلية، والتي تشترط نسبة كربون متدنية، إضافة إلى أن انتاج مصفاة البترول الأردنية، على سبيل المثال، بالكاد يكفي السوق الأردنية.
وقال: هناك موافقة مبدئية من الجانب الاسرائيلي على استيراد المحروقات، ولكن هناك خلاف يتعلق بدفع الرسوم والجمارك، والذي شكل أحد الصعوبات التي واجهتنا في تنفيذ الاتفاقية التي وقعت عام 2014 مع فنزويلا، وتنص على تزويدنا بأربع دفعات سنويا مطابقة للمواصفات على مدار خمس سنوات.
وأضاف: طالبنا بعدم استيفاء الرسوم من خلال وزارة المالية الفلسطينية، لكن إسرائيل اشترطت تحصيل الجمارك عند ادخال الشحنات، الأمر الذي سيخلق ضغطا على الخزينة الفلسطينية ويخلق أزمة في السيولة لدينا، حيث سيتم الدفع فور دخول الشحنات في حين سيتم استيفاؤها بعد 60 يوما.
وأشار الشوبكي إلى محاولات أخرى لاستيراد البترول الخام، ولفت إلى أنه يجري الحديث مع دولة العراق باتجاه استيراد نفط خام، "لكن حتى اللحظة لا يوجد شيء نهائي في هذا الموضوع".
ورأى أن هذه المحاولات لن يكتب لها النجاح بوجود النصوص المقيدة في اتفاقية باريس، سواء فيما يتعلق بالأسعار او المواصفات، والتي تجعل أسعار المحروقات من المصافي الإسرائيلية توازي، إن لم يكن أقل، من السعر العالمي.
وقال الشوبكي: لهذا فإن الشراء من المصافي الاسرائيلية أكثر جدوى من أي مصدر آخر يتعامل بالسعر العالمي، وفي حال وجود مصدر آخر يوفر قدرا من الدعم ستكون عملية الاستيراد مجدية ويمكن أن يلمسها المواطن، لكن في غياب هذا الدعم لن يكون السعر أقل مما نحصل عليه من إسرائيل، إضافة الى أن خلو الاستيراد من إسرائيل من أية مخاطرة يمكن ان ترافق عملية الاستيراد.
وحول إمكانية توفر مصدر لاستيراد نفط مدعوم، أوضح أن استيراد نفط مدعوم من المصدر قد لا ينعكس، لكنه بالضرورة سينعكس ايجابا على الخزينة العامة، فحينها لن تعود الخزينة مضطرة لتحمل الفارق في الأسعار عن الجانب الاسرائيلي، وبالتالي الاستيراد سيوفر على الخزينة 40 مليون شيقل شهريا، هي معدل الخسائر التي تتكبدها شهريا.