الأسباب الجوهرية للارهاب- عمر حلمي الغول
مجددا الارهاب يطل برأسه في اوروبا خاصة عاصمة الاتحاد الاوروبي، حيث طال بروكسل في مقتل، واوقع العشرات من الضحايا الابرياء. أعقبت الجريمة الجديدة حملة سياسية وقراءات لأسباب وخلفيات تنامي دور القوى الارهابية في اوروبا. غير ان المتتبع لمعظم المواقف والتحليلات، لاحظ انتهاجها المنهج الشكلي والسطحي في تشخيص ما جرى. كما وحاول قادة إسرائيل وخاصة نتنياهو استغلال الجريمة الجديدة ليحرض على الكفاح الوطني الفلسطيني وسعى لتبرئة دولته وحكومته من صبغة الارهاب، وحدث ولا حرج عن مواقف مرشحي الرئاسة الاميركية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، التي هبطت إلى الدرك الأسفل من الابتذال في ردود فعلها على ما تم.
بتكثيف شديد الجرائم الارهابية في بروكسل وقبلها باريس ولندن وغيرها مما قد يحدث في اي مكان من دول الاتحاد او في الولايات المتحدة، لا يجوز قراءاتها بربطها بالهجرة والتطورات، التي طالت عددا من الدول العربية في السنوات الاخيرة، هذا العامل، قد يكون الدافع، ولكنه ليس الاساس في وجود الارهاب وانتشاره، بل هناك اسباب اعمق، منها: اولا ان دول الغرب الرأسمالي، رغم انها تعيش مناخات ديمقراطية منذ عقود، إلا انها ما زالت تمثل في الوعي الجمعي لأبناء الشعوب الفقيرة والمنكوبة، وفي الممارسة السياسية حتى اليوم، الحاضنة لكل اشكال القهر والاستغلال للشعوب في دول العالم الثالث؛ ثانيا إقامتها ورعايتها وحمايتها لدولة التطهير العرقي الاسرائيلية على انقاض مصالح وحقوق الشعب العربي الفلسطيني، وغض النظر عن جرائم حرب وانتهاكات الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة، وبالتالي عدم التدخل الفعلي لفرض إقامة الدولة الفلسطينية؛ ثالثا تهيئة المناخ الملائم للقوى الاسلاموية في بلادها لاقامة مؤسساتها وتعميم افكارها ورؤاها كجماعة الاخوان المسلمين. وهذا ليس له علاقة بالديمقراطية، ولا يخضع لمبدأ حرية الرأي والتعبير، بل كان الهدف منه سياسيا بامتياز، هو حماية هذه الجماعات لاستخدامها في الوقت المناسب كما يجري الآن لضرب الانظمة السياسية وتفكيك وتقسيم شعوب الأمة العربية وفق المخطط الاستراتيجي للفرب، بالضبط كما فعلت مع التهجير القسري لليهود في ثلاثينيات القرن الماضي لفلسطين لاقامة دولة الصهاينة على انقاض الشعب الفلسطيني ونكبته، مع الفارق في الشكل والمضمون، ولكن النتيجة واحدة، اي إنتاج ادوات لتحقيق اهداف الغرب الاستعماري على حساب شعوب الارض وخاصة في الشرق العربي؛ رابعا رغم تطور القيم الديمقراطية في الغرب الرأسمالي، إلا ان هذا الغرب ما زال مسكونا في الوعي واللاوعي ببناء حضارته ونهضته على انقاض حضارات الشعوب الاخرى في العالم الثالث وخاصة الحضارة العربية الاسلامية، اي انه لم يحاول ولا للحظة في بناء عولمة تقوم على الشراكة الحقيقية بين شعوب الارض، وعلى التكامل فيما بينها، وبقيت اسيرة المنظومة الفكرية للاستعمار القديم، ولكن بثوب جديد، بمعنى تسييد دول المركز على دول المحوطة (الفقيرة)، وهو ما يعني نهب الثروات والخيرات وفرض الاتاوات والتبعية باشكال واساليب جديدة أخذت صفة التوقيع الثنائي او الاقليمي او الاممي على اتفاقيات تسمح باستباحة تلك الدول؛ خامسا عدم صقل وعي المهاجرين القدماء والجدد بالقيم الديمقراطية، وتركهم في غيتوات واحياء خاصة بهم، لا بل وابعادهم بشكل عنصري عن المنظومة المعرفية والثقافية لشعوب ودول الغرب، وبالتالي بقيت الهوة عميقة بين الشكل والمضمون، بين الساكن الجديد وقيم المجتمع، الذي يعيش بين ظهرانيه، ما ولد وعمق حالة التناقض التناحري بين مهاجري الشعوب العربية والنظم السياسية الحاكمة، لاعتقادها الراسخ، انها السبب في كل ويلاتها وويلات شعوبها... وغيرها من الاسباب التفصيلية، التي ساهمت في تعزيز الدوافع وراء هذا العمل او ذاك.
معالجة قضية الارهاب تكمن في تصفية جذور الارهاب الدولاني اللصيق بالانظمة الغربية الرأسمالية ودولة التطهير العرقي الاسرائيلية.
oalghoul@gmail.com