خمس رسائل في خطاب الحكمة - حسن سليم
من استمع لكلمة الرئيس أبو مازن أثناء لقائه مع اليهود الشرقيين، يوم أمس الأول، يلمس الفارق بين خطاب الحكمة الذي لم يتغير منذ تقلده منصب الرئاسة 2005، وحتى اليوم، دون أن يتعب من الطرق على مسامع حكام إسرائيل، وبأنه لا خيار سوى خيار السلام، وحماية مستقبل الإنسان، دون تمييز وفق جنسيته أو دينه، وبين خطاب الدَم الذي يتبناه نتنياهو، وأركان حكومته، وما يرسلونه يوميا من رسائل تحمل الكراهية والحقد بين الشعبين، الفلسطيني والإسرائيلي.
كلمة الرئيس أبو مازن التي مثلت رسائل للمجتمع الاسرائيلي، وللعالم المؤمن بثقافة السلام، والتي هي بالأصل الموقف الفلسطيني الذي لم يتغير، والتي قال عنها وفد اليهود الشرقيين، إنهم سيحملونها معهم لمن تم تضليله ووقع ضحية التدليس، وتعرض لعملية غسل أدمغة، لصالح ثقافة العنف والكراهية، التي لا تصلح علاقة بين أبناء الإنسانية.
الرسالة الأولى والأبرز في كلمة الرئيس، والتي كررها غير مرة، أن الوقت يمر بسرعة، والخشية أن لا يسعفنا باقتناص فرصة تحقيق السلام بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، وهذا ما يحتاج من الجميع ان يدرك خطورة ما يحمله قادم الأيام، وما يمكن ان تكون عليه حال المنطقة، ولا سيما ان الحركات الارهابية تجد طريقا معبدة، لتحقيق مبتغاها، وان هناك من لا يريد الاستقرار في المنطقة، ويجد في استمرار الصراع مرتعا لتحقيق نواياه.
أما الرسالة الثانية، وهي التي تلخص المطلب الفلسطيني ورؤيته لنهاية الصراع، وقال عنها الرئيس، ان الفلسطينيين لا يريدون أكثر من حقهم بحدوده الدنيا، بإقامة دولتهم، بتنفيذ الشق الثاني من القرار الذي قامت بموجبه دولة إسرائيل، رقم 181 الصادر في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947، الصادر عن الجمعية العامة التابعة لهيئة الأمم المتحدة، وعُرف بقرار تقسيم فلسطين، وتنفيذ ما وقعت عليه إسرائيل من اتفاقات والتزامات، مثلما تلتزم به السلطة الوطنية، ليتم في نهاية المطاف قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 67، جارة لدولة إسرائيل، وليس كما تفعل حكومة نتنياهو من تدمير تلك الفرصة، عبر الاستيطان، والاعدامات اليومية، وبث سموم الكراهية بالتحريض.
والرسالة الثالثة أن الرابح من السلام ليسوا الفلسطينيون وحدهم، بل الأكثر ربحا هي إسرائيل لو أعملت حكومتها العقل، وقرأت جيدا المبادرة العربية، والى ما يمكن أن تجنيه، من توقيع اتفاق سلام، لن يكون مع الفلسطينيين فقط، بل مع العرب والمسلمين، ممثلين بـ 57 دولة، وهذا ما يحتاج الى موقف ضاغط من قبل المجتمع الإسرائيلي على حكومته، إذا ما كان فعلا يرغب بالعيش بسلام، ومستقبل أفضل لأبنائهم، وأحفادهم، كما نريد نحن الفلسطينيون.
أما الرابعة، فان الجهد لإيصال الموقف الفلسطيني لكل مكونات المجتمع الإسرائيلي واليهود في العالم، لم يتوقف، حتى لمن هم الأكثر تشددا، كـ "الايباك"، مثلما يتم التواصل اليوم مع اليهود الشرقيين، لتعزيز الجبهة المؤمنة بخيار السلام، ونشر ثقافته، حتى في أحلك الظروف وأصعبها، بعكس ما يقوم به نتنياهو من استهداف للمؤمنين بالسلام وأنصاره، ويحرض عليهم، كأعداء لدولة إسرائيل، والحقيقة أنهم الأكثر حرصا منه عليها.
والخامسة بسؤال طرحه الرئيس، على زواره، والذي خاطب من خلاله العقل والمنطق، ولم يكن بحاجة لأسانيد، ولا لاستدعاء شهود الزور من القبور، ولا لقوة السيف، فالشواهد اصدق: " ضعوا أنفسكم مكاننا، انظروا الى الاستيطان، ماذا أبقى من أرضنا، ماذا تبقى لنا لإقامة دولتنا؟ هذا ما طالبنا بوقفه، ليكون السلام، هل هذا كثير؟.