تقرير حقوقي: إسرائيل تعرقل النمو الاقتصاديّ المتدهور في غزة
لخصت جمعية "چيشاه- مسلك" الإسرائيلية لحقوق الإنسان، اليوم الأربعاء، أهم المعطيات المتعلقة بتنقل الأشخاص، ونقل البضائع، من وإلى قطاع غزة خلال العام 2015، مشيرة إلى ما لذلك من دلالات على السياسات الإسرائيلية تجاه قطاع غزة وعلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فيه، وأن هذه التسهيلات لم تفض إلى تغيير ملموس على أرض الواقع، بل إنه كان هنالك تراجع وفرض المزيد من التقييدات في مجالات هامة.
وقالت الجمعية، التي أصدرت تقرير تزامنًا مع "مؤتمر المانحين" الذي يعقد اليوم الأربعاء في مدنية رام الله، ويناقش تقدم مسيرة إعادة إعمار قطاع غزة، إن التناقضات وعدم الاتساق في السّياسات تضع عراقيل في وجه النمو الاقتصاديّ الذي بإمكانه أن يتيح للمبادرين التجاريّين في غزّة أن ينتجوا وأن يتاجروا، ن السّياسة المُمارسة تجاه قطاع غزّة لم تجني أهدافها المعلنة. فلا يزال اقتصاد غزّة متضعضعًا.
وشهد العام 2015، وفق التقرير، تغييرًا بالخطاب والتصريحات من قبل شخصيات رفيعة في المنظومتين العسكرية والسياسية في إسرائيل تجاه قطاع غزة. وتمّ عرض إعادة إعمار القطاع ودعم اقتصاده ومنح الأمل لسكّانه كمصلحة أمنيّة اسرائيليّة من الممكن أن تحقّق الهدوء الإقليمي.
ورغم التسهيلات الضئيلة التي طرأت على التقييدات الإسرائيلية على تنقل الأشخاص ونقل البضائع، لكن الواقع بقي بعيدًا عن التصريحات، ولم تفض هذه التسهيلات إلى تغيير ملموس على أرض الواقع، بل أنه كان هنالك تراجع وفرض المزيد من التقييدات في مجالات هامة، حسب الجمعية.
وبين التقرير، "أنه على صعيد تنقّل الأشخاص: فإنه خلال العام 2015، تمّ تسجيل ما معدّله 14,276 حالة خروج شهريًّا لفلسطينيّين عبر معبر بيت حانون "إيرز" شمال القطاع، وهو ما يشكل ارتفاعًا بنسبة 128 بالمئة مقارنة بالمعدل الشهريّ لحالات الخروج للعام 2014. ورغم ذلك فإن هذا المعطى لا يزال بعيدا عن الاستجابة للحاجات القائمة. فعلى سبيل المقارنة، تمّ تسجيل أكثر من نصف مليون حالة خروج لعمال فلسطينيّين شهريّا عبر "إيرز" خلال العام 2000، أي قبل بدء الانتفاضة الثانية. بمعنى، أنه رغم الارتفاع الذي طرأ عام 2014، فإن عدد حالات الخروج اليوم ما زال لا يتجاوز نحو ثلاثة بالمئة من معدلات تنقّل الأشخاص التي كانت في المعبر حين كان يستجيب لحاجات السكان.
وتشير المعطيات إلى أن ما يفوق نصف حالات الخروج عبر معبر "إيرز" في العام 2015 كانت للتجار الذين يحملون تصاريح تجاريّة ويخرجون ويدخلون إلى غزّة عدة مرّات في الشهر.
أما المجموعة الثانية من حيث الحجم، فكانت من المرضى ومرافقيهم. وغالبية سكّان غزة، على سبيل المثال، الشباب، والنساء، أصحاب الأعمال التجاريّة الصغيرة، ما زالوا ممنوعين من الخروج لأغراض العمل أو الدراسة في الضفة الغربية، وهي القسم الثاني من الأراضي الفلسطينيّة، كما أنهم لا يتمكّنون من الخروج للالتقاء بأقاربهم إلا في الحالات "الإنسانية الاستثنائية".
وفي بعض من الحالات، أورد التقرير، قامت إسرائيل حتى بإعادة الوضع إلى الخلف: فحَمَلة تصاريح الخروج، ومن ضمنهم العديد من التجار، يُستدعون إلى التحقيق لدى الجانب الإسرائيلي فور وصولهم إلى معبر "إيرز"، ويعانون من تعامل مهين.
وفي تمّوز من العام 2015 أعلن منسّق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، عن تقليص حالات دخول الفلسطينيين حملة المواطنة الإسرائيلية إلى القطاع، وقد منعت هذه السّياسة، من ضمن ما منعته، عودة الفلسطينيين من حملة المواطنة الإسرائيلية القاطنين في غزّة بعد خروجهم منها لغرض زيارة أقاربهم في إسرائيل.
وفي تشرين الثاني 2015، جاء في التقرير، أنه طرأ تشديد على المعايير المتعلّقة بخروج المرضى ومرافقيهم من قطاع غزة، الأمر الذي يعني، عمليًا، حظر خروج المرافقين من سكان قطاع غزة الذين تقل أعمارهم عن 55 عاما. كما تمّ تقليص قائمة أنواع الأمراض التي يسمح، بسببها، الخروج من غزّة لتلقّي العلاج في إسرائيل.
وقال التقرير: إن معبر رفح، والذي كان يشكّل في السابق بديلا لمن أراد الخروج من غزّة إلى الخارج، كان مغلقا معظم أيام السنة الماضية،. حيث سُجّل فيه في الماضي قرابة 40 ألف حالة دخول وخروج كل شهر.
وفيما يتعلق بنقل البضائع، بين التقرير أنه في نهاية العام 2014، تمّ إلغاء الحظر الإسرائيلي الجارف الذي استمر فترة سبع سنوات على تسويق البضائع من قطاع غزّة إلى الضفة الغربية، كما تمّ، فيما بعد، السماح بتسويق محدود الى اسرائيل. وكنتيجة للأمر، ارتفع المعدل الشهري للشّاحنات الخارجة من قطاع غزّة من 19 شاحنة في العام 2014 إلى 113 شاحنة في 2015. ويعد هذا جزءا صغيرا جدا من الإمكانات القائمة، مقارنة بقرابة 10 بالمئة من عدد شاحنات البضائع الخارجة من غزّة خلال النصف الأول من العام 2007، قبل فرض الإغلاق على غزّة.
وفي العام 2015، سُجّل ارتفاع حاد (بلغ قرابة 100 بالمئة مقارنة بالعام الماضي) في عدد الشّاحنات الداخلة إلى القطاع عبر معبر كرم أبو سالم، وهو معبر البضائع الوحيد الواصل ما بين غزّة والعالم، بيد أن هذا الارتفاع هو نتاج دخول مواد البناء الخاضع للرقابة، والذي خصص في معظمه لإصلاح الدمار الهائل الذي تسبب للمباني والبنى التحتية خلال العملية العسكرية الأخيرة.
وسوياً مع ذلك، قال التقرير، إن اسرائيل زادت خلال الشهور الأخيرة من العام 2015 عدد المواد المذكورة، في قائمة المواد ثنائية الاستخدام، وهي البضائع المدنية التي يمكن أن يجري استخدامها عسكريّا، والتي ما زال دخولها إلى القطاع يعدّ إمّا مقلّصا أو محظورا تماما.
وأضاف التقرير: إن هذه القائمة تشمل مواد مدنية كثيرة، كمركبّات أجهزة تخزين الطاقة[UPS] الضرورية في أماكن تحدث فيها انقطاعات الكهرباء بشكل متكرر، وأجهزة الرّنين المغناطيسي التي تعدّ ناقصة في العيادات، ومادة "الفيبر غلاس" التي تستخدم لإصلاح قوارب الصيد. كما تمّت إضافة الألواح الخشبية التي يبلغ سُمكها أكثر من سنتمتر واحد وعرضها أكثر من خمسة سنتمترات، إلى جانب الأصماغ، ومواد دهان الخشب إلى القائمة.
ومن المفارقة، وحسب التقرير، أن إضافة هذه المواد إلى القائمة قد تمّت قبل أيام من إعلان منسّق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، عن السماح بتسويق الأثاث. وفي ظل انعدام وجود المواد الخام، فإن صناعة الأثاث في قطاع غزّة باتت على مشارف الانهيار. وان التناقضات وعدم الاتساق في السّياسات تضع عراقيل في وجه النمو الاقتصاديّ الذي بإمكانه أن يتيح للمبادرين التجاريّين في غزّة أن ينتجوا وأن يتاجروا.
وجاء في التقرير، "أنه بالنظر إلى عام كامل، بالإمكان ملاحظة أن السّياسة المُمارسة تجاه قطاع غزّة لم تجن أهدافها المعلنة. فلا يزال اقتصاد غزّة متضعضعا، ومعدلات البطالة لا تزال قريبة من 40%، ووضع التزويد بالمياه يواصل تدهوره، والبنى التحتية للكهرباء متهالكة، والسّكّان يتحدثون عن مشاعر قاسية، وقد تمّ استبدال الأمل بأفق أفضل، باليأس، وبالخوف من عملية عسكرية جديدة".
وعلى ضوء فشل السّياسات، وكما ورد بالتقرير، يبدو أنه من اللائق إحداث تغييرات سريعة على إمكانيات تنقّل سكان قطاع غزّة والمنتجات التي يقومون بتصنيعها. وينبغي أخذ حاجات السّكّان المدنيين بالاعتبار، إلى جانب الفحص المدقق للمطالبين بالمرور عبر بواباتها للوصول إلى السّكّان الفلسطينيّين الذين تسيطر إسرائيل على تفاصيل حياتهم اليومية، هذا إلى جانب الحاجات العائليّة، مصادر الرزق، التعليم، وتحقيق الذات، التي هي من حق كل إنسان.