سعادة - عبد السلام العابد
بعيد المساء، كان في طريقه إلى بيته، مصابيح الكهرباء تضيء الشارع، لمح عصفورا صغيرا لا يقوى عل التحليق في الفضاء، يتقافز أمامه، فيما كانت قطة سوداء تحدق بعينيها، تتأهب للانقضاض عليه والتهامه، نهرها بصوته القوي، وتقدم نحو العصفور الصغير ومسكه، كان جسده الصغير ينتفض، نظر إلى عينيه البريئتين البراقتين الخائفتين، وفرد جناحيه اللذين لا يقويان على الطيران، وهمس له: ما الذي جعلك تفر من عشك الدافئ، وتخالف وصايا أمك الحنون؟ وكيف تجرؤ على الخروج للشارع، وأنت لا تستطيع مواجهة خصومك الأشرار الذين يتربصون بك؟ استكان العصفور في راحة يده، وانتظمت دقات قلبه، وقال في نفسه: سيفرح طفلي الصغير عندما يراه".
أخذه إلى بيته، فرح به طفله الصغير، وراح يقبله، ويحنو عليه، حدث أفراد أسرته عن المشهد الذي رآه قبل قليل، وقالوا: الحمد لله انك أنقذته من مصير أسود كان ينتظره، بين أنياب القطة الشرسة، أحضر له وعاءً فيه ماء، وآخر فيه حب القمح، ووضعه على سطح بيته المحكم الإغلاق.
في الصباح، تفقد عصفوره، وأطمأن على سلامته، وذهب إلى عمله، وأوصى أطفاله بأن يهتموا بالعصفور، وأن يحافظوا عليه. بعد ساعتين من الزمن اتصل به طفله؛ ليخبره أن أمه العصفورة كانت تبحث عنه في كل مكان، وأنها استطاعت أن تحدد مكان وجوده، وعندما رأته على سطح البيت، هبطت مسرعة وهي تزقزق، وحملته، وطارت به؛ لتعيده إلى إخوته وعشه الدافئ.
حمد الله، وشعر بسعادة غامرة طوال ذلك اليوم، فقد أنقذ روحا بريئة من عدو لئيم حاقد، واسعد قلب أم كان يقطر حزنا وألما، على فراق حبيبها الغالي البريء الذي لم يمتلك بعدُ مقومات مواجهة خصومه الأشداء.
ما أشد قساوة الحياة إذا غاب عنها أصحاب القلوب الرحيمة!! وما أصعبها إذا ساد فيها الظالمون والأشرار!!.