"مدار": 66 قانوناً عنصرياً ومناهضاً لحل الصراع في "الكنيست" خلال عام
نواب من "المشتركة": مؤشرات على واقع سياسي غارق في اليمينية والفاشية
كشف تقرير مسح أعدّه المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" تحت عنوان، "القوانين العنصرية والمناهضة لحل الصراع بعد عام على حكومة نتنياهو الرابعة" أعده الباحث برهوم جرايسي، عن أنه تم إدراج ومعالجة 66 قانونا عنصريا ومناهضا لحل الصراع في الكنيست خلال عام على الانتخابات البرلمانية الأخيرة في إسرائيل.
وقد بادر إلى طرح هذه القوانين وشارك فيها 67% من أعضاء الكنيست الحالي، وأن "المعارضة" متواطئة مع عملية سنّ هذا النوع من القوانين.
وقالت مدير عام "مدار" هنيدة غانم في ندوة خاصة لاستعراض التقرير، شارك فيها إلى جانب الباحث جرايسي، النائبان عايدة سليمان، وجمال زحالقة، من "القائمة المشتركة": إن أهمية هذا التقرير، الذي يعتبر الأول من نوعه، تنبع من احتوائه على أرقام جديدة، ومعلومات موضوعية، تعالج خارطة التشريع العنصري في إسرائيل، وأن النتائج يمكن استخدامها في مجابهة هذا الواقع، خاصة مع ما تشهده إسرائيل من تمكّن لليمين عبّر عن نفسه بضم أشخاص من نوع ليبرمان إلى حكومة نتنياهو اليمينية.
وقال جرايسي في الندوة: إن التقرير يعتمد على مفهوم واسع للقوانين العنصرية، يضم كل قانون يستهدف الفلسطيني كفلسطيني أينما وجد، إن كان من خلال قوانين مباشرة، أم غير مباشرة، وقوانين أخرى تبدو في واجهتها وكأنها تعديلات للقوانين الجنائية، إلا أنها تُسن على خلفية أحداث سياسية.
وأوضح جرايسي مثالا على ذلك أن الكنيست أقر بالقراءة الأولى مشروع قانون حكومي، يهدف إلى إبعاد تهمة الارهاب عن الجرائم التي يرتكبها المستوطنون، والمجموعات اليمينية المتطرفة، إذ تم اختلاق "جُرم الكراهية"، مقابل تحديد تعريف "الإرهاب" بما يرتكب ضد "إسرائيل" كدولة وضد مواطنيها (يعني في هذه الحالة مواطنيها اليهود) ويتبع هذا الفصل في التعريف، تدريج مختلف للعقوبات، وكل هذا من أجل التخفيف على جرائم المستوطنين واليمين، في حين تكون المقاومة الشرعية ضد الاحتلال "إرهابا".
وبيّن جرايسي أن القوانين الـ 66 قيد المعالجة يمكن تقسيمها إلى التالي: 6 قوانين تم اقرارها نهائيا، نظام برلماني واحد يأخذ طابع قانون، 6 قوانين اقرت بالقراءة الأولى ويجري اعدادها للقراءة النهائية، و8 قوانين أقرت بالقراءة التمهيدية (من حيث المبدأ)، و46 قانونا مدرجا على جدول أعمال الكنيست، وقسم منها لديه احتمال كبير بأن يقر نهائيا في الولاية البرلمانية القائمة.
ولغرض المقارنة، أوضح جرايسي أن في الولاية البرلمانية الـ 17، إبان حكومة إيهود أولمرت 2006- 2009، أقر الكنيست نهائيا 6 قوانين، وفي الولاية البرلمانية الـ 18، إبان حكومة بنيامين نتنياهو الثانية 2009- 2013، أقر الكنيست نهائيا 8 قوانين. بينما كما شهدنا هنا، فإنه في العام البرلماني الأول، تم اقرار 6 قوانين.
وبين أن التقرير يتضمن مسحا دقيقا هو الأول من نوعه أيضا، يكشف مدى تواطؤ المعارضة الإسرائيلية مع الائتلاف الحاكم، الذي لم يجد أي صعوبة في تمرير قوانين عنصرية ومناهضة لحل الصراع. والقصد بالمعارضة: تحالف "المعسكر الصهيوني" الذي يضم حزبي "العمل" و"الحركة" وله 24 نائبا؛ وكتلة "يوجد مستقبل" ولها 11 نائبا؛ وكتلة "يسرائيل بيتينو" ولها 6 نواب. في حين أن أداء كتلتي "القائمة المشتركة" و"ميرتس" كان معارضة بالمبدأ.
وقال جرايسي: للدلالة، فإنه من خلال 24 عملية تصويت لمراحل تشريع وقوانين مختلفة، وجدنا أن نسبة اعتراض كتلة "المعسكر الصهيوني" بلغت 40,8%، مقابل تغيّب عن جلسة التصويت بنسبة 42,4%، وتأييد للقوانين بنسبة 16,8%. بينما كتلة "يوجد مستقبل" نسبة الاعتراض على القوانين لديها 33,7%، والتغيب بنسبة 54,15%، وتأييد قوانين بنسبة 12,15%. وكانت كتلة "يسرائيل بيتينو" داعمة كليا تقريبا من خلال التأييد المباشر أو التغيب عن جلسة التصويت، ما يزيد الفجوة بين المعارضة والائتلاف، فقد كانت نسبة الاعتراض لديها 0%، ونسبة التغيب 84%، ونسبة التأييد 16%.
سليمان: غرق في الفاشية
وقالت النائبة سليمان، تعقيبا على التقرير، إن مؤشر الغرق في الفاشية، لا يتمثل فقط في كمّ القوانين، وإنما أيضا في كيفية طرحها، فطرح أكثر من مئة قانون خلال سنة، يعبر عن عدم جدية النقاش حول القوانين، العنصري منها وغير العنصري، حيث يظهر أن اليمين لم يعد يبذل جهدا لتجميل وجه القوانين. وأضافت سليمان، إن القوانين ليست مجرد أرقام، إنها ليست الظاهرة، إنما مؤشرات حول الظاهرة السياسية والاجتماعية العميقة، ممثلة بالغرق في الفاشية، هذا يظهر ليس في القوانين فقط، إنما في التصريحات والممارسات وسلم الأولويات الخاص بالحكومة.
وحول انضمام ليبرمان للحكومة، قالت سليمان، إن ما ينفذه نتنياهو، ليس أقل خطورة مما يقوله ليبرمان بفظاظة، برنامج ليبرمان صار في الواقع هو التيار المركزي، سواء فيما يتعلق بموضوع تبني الاحتلال والاستيطان، وأيضا فيما يتعلق بموضوع مواطنة الفلسطينيين في إسرائيل، حيث تبنى نتنياهو فعليا شعار ليبرمان عن "المواطنة مقابل الولاء"، بمعنى مقايضة مواطنة الفلسطينيين بهويتهم الوطنية.
وأكدت سليمان اتفاقها مع استخلاص التقرير حول هشاشة المعارضة، أن المعارضة أكثر هشاشة من الحكومة الهشة فعلا. بل حدث أن الحكومة هي التي اسقطت المعارضة، وليس العكس، وهذا مرتبط أيضا بأن المعارضة ليست معارضة فعلية، وأن الانزياح نحو اليمين متغلغل بحيث أثر على ما يسمى اليسار .
زحالقة: تشريعات لها سياقها
وفي تعقيبه على التقرير، قال النائب جمال زحالقة، إن التشريعات في إسرائيل، لها - إلى جانب السياق السياسي الاجتماعي - سياق بنيوي يتعلق ببنية النظام نفسه كحالة استعمارية مركبة جدا، مزجت مبكرا بين "الترانسفير" و"الابارتهايد"، رغم اجتهاد إسرائيل لتقديم نفسها كدولة يهودية وديمقراطية في البداية .
وأوضح أن الجوهر الاستعماري للتشريع ينكشف بوضوح شديد عند قراءة القوانين المتعلقة بالتحكم في مجالي الجغرافيا والتوزيع السكاني، ويأتي بعدها مجال الهوية.
وأضاف: بعد النكبة ومصادرة أراضي اللاجئين، تفرغت الدولة في الخمسينيات للفلسطينيين داخل إسرائيل، حيث اقرت في تلك الحقبة بهدوء 20 قانونا، مرت جميعها بالمراحل الاجرائية السليمة: نقاش معمق، قراءة أولى وثانية، لكن ما كان يجمعها أنها خصصت لنقل الأراضي باتجاه واحد من العرب إلى اليهود، لم يحدث أي نقل بالعكس اطلاقا.
وذكر زحالقة أن إسرائيل استدعت على نحو انتقائي قوانين عثمانية وبريطانية لخدمة مشروعها الكولونيالي.
وقال زحالقة: لقد نجحت إسرائيل في الثمانينيات والتسعينيات بتطوير وترويج خطاب يقدمها كدولة قانون ودولة حقوق انسان ونزاهة قضاء، حيث تحول أهارون باراك رئيس المحكمة العليا إلى ايقونة في العالم. لكن في السنوات الحالية، لم تعد إسرائيل تأبه بالأقنعة كثيرا.
وحول التحكم الديمغرافي، طرح زحالقة مثالا قانون "منع لم شمل العائلات" لمنع ما تسميه إسرائيل "العودة الزاحفة"، إلى جانب قانون تحكم جغرافي خطير اسمه "قانون لجان لقبول "، حيث يسمح لأي لجنة قبول برفض أي ساكن لا ينسجم مع النسيج الاجتماعي للقرية، ما يمنع الفلسطينيين من السكن في 70% من مساحة إسرائيل.
وختم زحالقة أن ما يميز موجة القوانين الجديدة منذ 2010 أنها تذهب نحو السياسة، وأن عنصريتها تندرج أيضا في سياق الانتهازية، بحيث يجامل المشرع العنصري الشارع الأكثر عنصرية.